يقينًا، أؤكد أن صناعة الدواجن تتعرض لمؤامرة، وأن هناك من يحاول تدمير تلك الصناعة التي تكتفي مصر منها ذاتيًا، وسط صمت تام من الحكومة، وكأن هناك موافقة ضمنية منها على الإضرار بأمن مصر الغذائي، والتحول بمصر من بلد مصدر إلى مستورد جبرا، وحرق استثمارات تزيد على الـ100 مليار جنيه، والإلقاء بمن يعملون بتلك الصناعة إلى السجون.
فلا يخفى على أحد ذلك الارتفاع الجنوني في أسعار الدواجن في مصر خلال الشهور الأخيرة، والذي وصل بسعر الكيلو منذ فبراير الماضي من 30 إلى 100 جنيه، قبل أن ينخفض إلى نحو 70 جنيهًا، بزيادة تزيد عمّا كانت عليه قبل أشهر بنحو 350%، وسط عجز من الحكومة عن الوفاء بالاحتياجات الكاملة لسوق الدواجن من مستلزمات صناعة الأعلاف التي تعد السبب الرئيسي في الأزمة.
غير أن ما زاد الشكوك حول وجود مؤامرة لتدمير تلك الصناعة، صدور تعليمات غير معلنة للبنوك بالتوقف عن صرف أية قروض لتمويل كل ما يتعلق بصناعة الدواجن، ثم خروج الدكتور هشام العربي، الاستاذ بمعهد بحوث الإنتاج الحيواني والدواجن، ليؤكد أن وزارة الزراعة تقوم عن عمدٍ بالتخلص من أعداد هائلة من أمهات الدواجن المستنبطة من السلالات المصرية.
ورغم نفي وزارة الزارعة لتصريحات الدكتور العربي وإحالته للتحقيق، إلا أن كل المعلومات تؤكد وللأسف أن كل ما ذكره الرجل صحيح، وأن الوزارة تقوم بالفعل بالتخلص من أمهات السلالات المصرية منذ عدة سنوات، بسبب نقص التمويل المخصص من الحكومة لدعم المشروع القومي لاستنباط وتطوير سلالات الدواجن المصرية إلى جانب عدم القدرة على الصمود أمام أزمة نقص الأعلاف.
ولعل ما يدعو للعجب، أن المشروع القومي الناجح الذي تتم تصفيته بشكل تدريجي منذ سنوات، قد نجح منذ عام 1958 في الخروج بنحو 14 سلالة مصرية، تتميز بقلة استهلاك الأعلاف، وسرعة النمو، وغزارة إنتاج البيض، ومقاومة الأمراض، وتحمل الظروف البيئية، وتغطى نحو 25% من حاجة المربين من السلالات.
حيث كان معهد بحوث الإنتاج الحيواني والدواجن يقوم سنويًا، بتوزيع جزء من تلك السلالات على المربين، وتعويضها بتفريخ أمهات جديدة للحفاظ على المخزون استراتيجي وإجراء الأبحاث.
إلا أن العجيب في الأمر، ورغم نجاح المعهد في استنباط كل هذا العدد من السلالات مصرية المطورة، وصل عدد الأمهات منها لنحو 120 ألف دجاجة في 9 محطات بحثية، إلا أن الحكومة بدأت -على غير المتوقع- في تقليص ميزانية المعهد في عام 2015 مما جعله يواجه أزمة تمويلية دفعت المسؤولين عنه إلى التخلص جبرا من آلاف الأمهات من السلالات المصرية، وبيعها للمربين دون تعويضها بأمهات جديدة.
وكان من الطبيعي أن تتقلص أعداد السلالات المصرية من 120 ألف في عام 2015 إلى 9 آلاف دجاجة في الوقت الحالي، على الرغم من علم الحكومة والبرلمان بتفاصيل الأزمة، وظهورها للعلن داخل مجلس النواب في عام 2015، وتحديدا عقب الخلاف الذي نشب بين رئيس مركز البحوث الزراعية الذي يتبع له المعهد، وممثل وزارة التخطيط.
حيث أصرت وزارة التخطيط في ذلك الوقت على تخفيض ميزانية المركز بنحو 3 ملايين جنيه، مما دفع رئيسه إلى الاعتراض علنا، مؤكدا أن ميزانيته تعد الأفقر بين المراكز البحثية، رغم إنجازه لدراسات ناجحة تدر مليارات الجنيهات على البلاد، إلا أن الحكومة فضلت رغم ذلك تقليص الميزانية.
وتشير الأرقام، إلى أن ميزانية مركز البحوث الزراعية الذي يضم 16 معهدًا بحثيًا، بينها معهد الإنتاج الحيواني والدواجن، قد بلغت في 2023 نحو 3 مليارات و657 مليون جنيه، ينفق منها نحو 2 مليار و568 مليون جنيه على بند الأجور، ولا يتبقى سوى 392 مليونًا و890 ألف جنيه فقط للإنفاق على البحث العلمي والتزاماته.
غير أن ما زاد الأمر سوءًا في كارثة صناعة الدواجن في مصر، هو الصمت المريب من الحكومة على مشكلة نقص الأعلاف لفترة تقترب من العام، ارتفعت معها التكلفة بشكل كبير على المعهد، في الوقت الذي مني فيه المربون الذين تزيد استثماراتهم في هذا القطاع على الـ100 مليار جنيه بخسائر فادحة.
وهو ما دفع الآلاف من المربين بالتبعية إلى الخروج من الأسواق جبرا، والتوقف بشكل نهائي عن الإنتاج، الذي انخفض بالتبعية أيضا بنحو 20% عن العام الماضي -طبقا للبيانات الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء- التي أكدت أيضا نقص إنتاج الأعلاف في مصر بنحو 500 ألف طن، وارتفاع سعر الطن من 12.5 ألف جنيه في أكتوبر من العام الماضي، إلى 21 ألف جنيه في الوقت الحالي.
وتبقى الأسئلة الأهم التي أعتقد أنه لا إجابة عليها سوى لدى الدكتور مصطفى مدبولي، لصالح من تعطيل استيراد مستلزمات الأعلاف وتدمير صناعة تعد أمنا قوميا للبلاد؟ ولصالح من تقليص ميزانية واحد من أهم وأنجح معاهد مصر البحثية؟ ولصالح من التخلص من نتاج جهود بحثية بدأت منذ عهد الرئيس عبدالناصر وخلصت لسلالات وطنية تدر على البلاد مليارات الدولارات؟ ولصالح من توقف البنوك عن مساندة صناعة بمثل هذه الأهمية، وهذا القدر من الاستثمارات؟!
أتمنى أن أجد إجابة، إن كان لدى الحكومة إجابة.. وكفى.
نقلا عن فيتو