دُعيت من قبل مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لمجلس الوزراء ، إلي إحدي جلسات المنتدي الفكري التي يعقدها المركز، وكان موضوع الجلسة ” سيل وآليات دعم الزراعة المستدامة فى مصر بما يتماشي مع اشتراطات الصفقة الأوروبية الخضراء European Green Dean (EGD) ، وبما يعظم من صادرات مصر من الحاصلات الزراعية إلي دول الاتحاد الأوروبي”.
ودعي إلي الجلسة خبراء متحدثين من وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي ووزارة التجارة والصناعة ووزارة الموارد المائية والري فضلا عن مجلس النواب (رئيس لجنة الزراعة) والمجلس التصديري للحاصلات الزراعية (رئيس المجلس) وأحد كبار المصدرين الزراعيين (قطاع خاص).
أربعة متحدثين خصص لكل منهم خمسة عشر دقيقة وثما نية معقبين (كنت أحدهم) خصص لكل منهم خمس دقائق.طبعا لم تسعفني الدقائق الخمس لكي أعرض كل ما تطرق إلي من أفكار تتعلق بهذا الموضوع المهم. لذلك آثرت أن اكتب هذا المقال لعلي أستطيع أن أعرض فيه ما لم أستطع عرضه فى الدقائق الخمس خاصة أن الموضوع ينبغي أن يعالج فى إطار السياسات الزراعية المصرية وكذا سياسة التجارة الخارجية الزراعية وسياسة التصنيع العذائي. وقد عرض أحد المتحدثين (وهو وزير زراعة أسبق) استرايجية التنمية الزراعية المستدامة.
أوضح فى البداية ما هى الصفقة الأوروبية الخضراء (EGD) وما هى أهدافها ، ثم نوضح دوافعها فى إطار مصالح وبراجماتية الانحاد الأوروبي، ثم نتناول آثارها ومتضمناتها بالنسبة للصادرات الزراعية المصرية.
ماهي الصفقة الأوروبية الخضراء وما هي أهدافها
الصفقة الأوروبية الخضراء عبارة عن مجموعة من المبادرات السياسية التي تولتها المفوضية الأوروبية ، تمت الموافقة عليها فى عام 2020 ، بقصد تحقيق هدف شامل يتمثل في جعل الاتحاد الأوروبي محايدًا مناخيًا بحلول عام 2050 ، ويقصد بالحياد المناخي أن تكون أوروبا صفرية من حيث انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري Green House Gases (GHG) بحلول 2050.. وفى هذا الإطار تستهدف الخطة خفض انبعاثات الغازات الدفيئة لعام 2030 إلى ما لا يقل عن 50% بالمقارنة لعام 2020، ونحو 55% مقارنة بمستويات عام 1990.
وتتمثل الخطة في مراجعة كل قانون قائم بناءً على انعكاساته المناخية، وإدخال تشريعات جديدة تخص الاقتصاد الدائري،حيث تمتد إلي عدة قطاعات تشمل البناء والطاقة والنقل والزراعة والغذاء. وتشتمل الخطة علي فرض رسوم علي الكربون في البلدان التي لا تحد من التلوث الناجم عن الغازات الدفيئة بنفس المعدل، تسمى آلية تحقيق ذلك «آلية تسوية حدود الكربون». وأصدرت المفوضية الأوروبية منشورًا يقتضي من الدول الأعضاء الاضطلاع بأنشطة تتعلق بتغيير اقتصاداتها إلى اقتصادات دائرية. وقد أصبح الاقتصادي الدائري بالفعل مكونًا رئيسيًا في «الصفقة الأوروبية الخضراء».
كما تشتمل المبادرة علي استراتيجية «من المزرعة إلى المائدة» From farm to fork، وذلك عن طريق تحفيز المزارعين على إدارة وتخزين الكربون في التربة وتحسين إدارة المغذيات وتقليل الانبعاثات واستخدام الطاقة المتجددة والنظيفة وغيرها.وتقدر الاستثمارات المطلوبة لتحقيق الأهداف المحددة للصفقة بنحو 260 مليار يورو سنويا بحلول 2030.
اشتراطات علي مصر تطبيقها فى إطار هذه الصفقة
ما يعني مصر من هذه الصفقة ، يعنى فى الواقع كل الدول المصدرة للاتحاد الأوروبي وخاصة الصادرات الزراعية.وكما أشرنا سابقا تشتمل خطة الصفقة الخضراء علي فرض رسوم علي الكربون فى الدول التي لا تلتزم بالحد من انبعاثات الغازات الدفيئة (ثاني أوكسيد الكربون والميثان والنيتروز) بنفس المعدل الذي تلتزم به الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبي فى إطار الصفقة الخضراء ، وهو تخفيض انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة 50% مقارنة بمستويات 2020.
وقد قام الاتحاد فعلا بمخاطبة الجهات المسؤولة فى مصر بوجوب تخفيض معدلات الأسمدة الكيماوية المستخدمة فى انتاج المحاصيل المصدرة بنسبة 20% وكذا تخفيض معدلات استخدام المبيدات فى إنتاج هذه المحاصيل بنسبة 50% بحلول عام 2050 ، وتطبيق الممارسات الزراعية المستدامة بشكل عام، وفضلا عن هذه الاشتراطات يحظر استخدام المياه الجوفية غير المتجددة فى إنتاج المحاصيل موضع التصدير. وعلي ذلك فإن تصدير مصر للسلع الزراعية إلي دول الاتحاد مشروط بتطبيق هذه الاشتراطات، وإلا سيتم فرض رسوم عن طريق “آلية تسوية حدود الكربون” .
ليس واضحا حتي الآن مستوي هذه الرسوم ، ومع ذلك قد تكون رسوما مانعة.ثم إنه ليس من الواضح كيفية التحقق من تطبيق هذه الاشتراطات من عدمه.ذكر أحد خبراء المبيدات بوزارة الزراعة أن الوزارة ، استجابة لطلب الاتحاد الأوروبي، قد وضعت خطة لتخفيض معدلات استخدام المبيدات بنسبة 5% سنويا حتى يتم التوصل إلي تخفيض 50% بحلول عام 2050 .ولكن ليس مفهوما ما إذا كان هذا ينطبق علي انتاج المحاصيل بوجه عام أم ينطبق فقط علي إنتاج المحاصيل موضع التصدير.
بينما أكد أحد كبار المصدرين (دكتور سمير النجار رئيس شركة دالتكس) أن الصفقة الخضراء هي بمثابة “فخ” للصادرات الزراعية المصرية وخاصة فيما يتعلق باشتراط عدم استخدام مياه جوفية غير متجددة فى إنتاج محاصيل يتم تصديرها إلي الاتحاد ، فهناك مساحات واسعة فى الأراضي الجديدة يتم ريها بهذه النوعية من المياه ، ومن ثم سوف سوف يكون من المتعذر تصديرإنتاجها إلا تحت سيف ما يسمي “رسوم حدود الكربون”.
براجماتية أوروبا وافتقاد الصفقة الخضراء للعدالة
تفتقد الصفقة الخضراء مبدأ العدالة بين الاتحاد الأوروبي من جانب والدول (النامية) المصدرة إليه من جانب آخر.من حيث الشكل، تبدو الصفقة عادلة ، إذا يقول الاتحاد الأوروبي لشركائه التجاريين وخاصة من الدول النامية أن نفس اشتراطات الكربون سوف يتم تطبيقها علي الجانبين، أو بعبارة أخري، كما تلتزم صادرات الاتحاد إلي الشركاء التجاريين بالاشتراطات ، فإن علي صادرات الشركاء إليه الالتزام بنفس الشروط. أما من حيث المضمون فالصفقة غير عادلة، وخاصة أن الجانبين ليسا علي أرضية متساوية.وذلك لعدة أسباب ، الأول أن الاتحاد الأوروبي يقوم بتقديم دعم لللإنتاج الزراعي بالدول الأعضاء يقدر بنحو مليار يورو يوميا أي بنحو 365 مليار يورو سنويا ،بينما لا يستطيع أغلب الشر كاء التجاريين من الدول النامية توفير الدعم لمنتجيها الزراعيين.
السبب الثاني ، أن الاتحاد الأوروبي هو رابع المتسببين الكبار لمشكلة انبعاثات الغازات الدفيئة والاحتباس الحراري، وذلك بعد الصين والولايات المتحدة والهند ، بينما تعتبر أغلب الدول النامية ضحايا لهذه المشكلة.
الآثار المحتملة للصفقة علي الصادرات الزراعية المصرية إلي الاتحاد الأوروبي
من المؤكد أن تطبيق اشتراطات الصفقة الخضراء سوف يؤثر سلبا علي الصادرات الزراعية المصرية إلي دول الاتحاد الأوروبي . صدرت مصر إلي الاتحاد الأوروبي خلال العام المنصرم (2022) منتجات زراعية (خضر وفاكهة) بما قيمته نحو 700 مليون دولار تمثل نحو 21% من إجمالي الصادرات المصرية من الخضر والفاكهة البالغ نحو 3.3 مليار دولار. هذه الحصيلة الدولارية (700 مليون دولار) السنوية مهددة بالانخفاض فى ظل تطبيق اشتراطات الصفقة الخضراء.وبافتراض سريان سيناريو المسار الطبيعي Business-as-usual scenario فسوف تؤدي إلي تخفيض جوهري فى الإنتاجية ، فضلا غن خروج مساحات زراعية كبيرة من الإنتاج التصديري.
أ.د. جمال صيام
أستاذ الاقتصاد الزراعي
كلية الزراعة ، جامعة القاهرة