نجحت شركة صينية في تصنيع شرائح سمك بمخابرها، في خطوة نحو تلبية الطلب العالمي المتزايد على اللحوم والمأكولات البحرية، دون تعريض الثروة الحيوانية والمناخ للخطر.
هونغ كونغ- قام الشيف إيدي ليونغ في مطبخه بجنوب غرب هونغ كونغ، بقلي جزء من أول شرائح سمك مخبري تم تكليفه بطهيها، وفضّل تحمير الجزء الآخر. وقال ليونغ “قبل أن أقوم بإعداد هذه الشرائح المخبرية كانت تبدو صلبة للغاية، لكنها تغيرت بعد طهيها وأصبحت لا تختلف عن السمك الحقيقي”، مشيرا إلى أن مذاقها ورائحتها كانت مثل السمك العادي.وترى إيلين سيو، المديرة العامة لمعهد غود فود في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، أن السمك الذي صنعته شركة أفانت ميتس الناشئة لتكنولوجيا الغذاء ومقرها هونغ كونغ، يمثل خطوة رئيسية نحو تلبية الطلب العالمي المتزايد على اللحوم والمأكولات البحرية، دون تعريض الأهداف المناخية للخطر.
شرائح لا تختلف عن السمك الحقيقي
ولفتت سيو إلى أن “اللحوم المزروعة تمنح المستهلكين البروتين الحيواني الذي يريدونه، دون الحاجة إلى استنزاف المحيطات أو قطع الغابات المطيرة للحصول عليها”. ونجحت شركة أفانت ميتس في زراعة نحو 10 شرائح في حوالي شهرين، وعرضت على ليونغ تجربتها. وأفادت المؤسسة المشاركة والرئيسة التنفيذية لشركة أفانت كاري تشان، بأن زراعة الأسماك في المختبر لا تستغرق وقتا طويلا مقارنة بالوقت الذي يتطلبه إنتاج الأسماك بشكل طبيعي. وأوضحت أن معظم الأسماك المستزرعة تستغرق ما بين عام وعامين لتنمو حسب النوع، بينما تستغرق الأسماك البرية وقتا أطول.
ولتصنيع الشرائح وضعت شركة أفانت ميتس خلايا من أسماك الهامور في مفاعل حيوي، وأطعمتها بالجلوكوز والمعادن والأحماض الأمينية والفيتامينات والبروتينات، فنمت الخلايا لتصبح أنسجة عضلية دون رؤوس أو زعانف أو أعضاء. وأشارت تشان إلى أن تقنيات زراعة الخلايا يمكنها إنتاج مجموعة متنوعة من البروتينات الحيوانية في أي مكان تقريبا، قائلة “يمكننا الآن تقليص البصمة الصناعية إلى نقطة واحدة أين يوجد المفاعل الحيوي”.
ووفقا لجي يو تشاو، الذي يقود جهود بنك ميزوهو لتمويل المشاريع الزراعية والغذائية في المنطقة، فإن عملية إنتاج الشرائح تجذب الشركات التي تبحث عن أسعار مستقرة وكميات يمكن التنبؤ بها لمساعدتها على التغلب على التقلبات في الإمدادات الغذائية، وكذلك تلك التي ترغب في الاقتراب من المستهلكين. كما يمكن للحكومات الاستفادة من هذه الحلول خلال الأزمة الصحية والصراعات التجارية، التي تظهر الحاجة إلى تأمين إنتاج الغذاء وتوطينه.
وقال الرئيس المنتهية ولايته لريغال سبرينغز (أحد أكبر منتجي سمك البلطي في العالم) ماركوس هيفيل، إن “إمكانية التتبع والجودة المتسقة هي عوامل جذب كبيرة أيضا.. إن الفكرة القائلة بأنك لست بحاجة إلى قتل الحيوانات لأكل البروتين أصبحت حجة كبيرة”.وجاء في تقرير لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) لسنة 2020، أن ثلث المخزون العالمي من الأسماك يتعرض للاستغلال المفرط، بينما تتوقع دراسات أخرى أن يكون في المحيطات مواد بلاستيكية أكثر من الأسماك بحلول سنة 2050.
ويمكن أن تساعد المخاوف بشأن حقوق الحيوان في دفع التحول إلى اللحوم المزروعة في المختبر أيضا، إذ تأتي تجربة شرائح السمك المخبرية بعد إعلان حكومة سنغافورة أوائل ديسمبر الماضي عن موافقتها على إضافة الدجاج المزروع مخبريا من خلايا حيوانية والمعروف باسم “اللحوم النظيفة”، إلى قائمات طعامها، لتصبح بذلك أول دولة في العالم تبدأ بيع اللحوم المزروعة. ويأمل المطلعون على الصناعة، أن يصبح هذا جزءا من تحول أساسي في المواقف تجاه صحة الكوكب، على غرار هيفيل الذي قال في مقابلة بالفيديو “هل سننظر إلى الوراء، ونقول إن البشر كانوا يحرقون الوقود لسياراتهم ويقتلون الحيوانات للحصول على البروتينات؟ هل يمكنك أن تتخيل ذلك؟”.
وبحسب تقرير نُشر العام الماضي، قال معهد غود فود إنه “من المتوقع أن يؤدي النمو الاقتصادي وارتفاع الدخل إلى زيادة استهلاك آسيا للحوم التقليدية والمأكولات البحرية إلى حوالي 80 في المئة بحلول عام 2050. في حين أن اللحوم المزروعة في المختبر قد بدأت للتو في اكتساب الزخم”.فقد أصبحت فكرة تناول اللحوم المزروعة في المختبر أكثر قبولا لدى المستهلكين، خلال السنوات الأخيرة، وخاصة في آسيا. وقالت ميني تشيونغ، وهي معلمة يوغا تبلغ من العمر 30 عاما، “تذوقت الأسماك المزروعة في المختبر في مطبخ ليونغ، ووجدت أن الطعم لا يدل على أن السمكة جاءت من المختبر”.
وفي عام 2019 أظهر استطلاع نشر في المجلة الأكاديمية فرونتييرز للنظم الغذائية المستدامة، أن الصينيين والهنود كانوا أكثر انفتاحا على استهلاك اللحوم المزروعة من المستهلكين في أميركا. إلا أن الكثيرين لا يزالون يشككون في تناول الأسماك المزروعة في المختبر، لأنها ليست طبيعية، ولأنهم يعتقدون أنها معدّلة وراثيا. وأوضح تشاو أن المأكولات البحرية المستزرعة ليست معدلة وراثيا، وهي نقطة تسلط الضوء على أهمية التوعية للحث على استهلاك اللحوم المزروعة. ولفت إلى ضرورة أن يدرك المستهلكون سبب اللجوء إلى هذا الحل أيضا. ويتضمن هذا شرح أهمية البروتينات البديلة والفوائد التي تعود على المستهلك، ورفاهية الحيوان، ومستقبل كوكب الأرض. وتابع أن نجاح زراعة اللحوم والمأكولات البحرية بالإضافة إلى تقديم المعلومات الصحيحة للمستهلكين، سيعتمد على عرضها بالسعر المناسب، إذ من المقرر أن تكون أغلى ثمنا. لكن للحوم المستزرعة قدرة على تعطيل صناعة اللحوم التقليدية التي تبلغ قيمتها 1 تريليون دولار، وفقا لتقرير صدر في 2019 عن شركة الاستشارات العالمية أيه.تي كارني، حيث توقع التقرير أن تشكل اللحوم المستنبتة 35 في المئة من الاستهلاك العالمي للحوم خلال العشرين سنة القادمة.
ووجدت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد في 2011 أن اللحوم المستنبتة يمكن أن تقلل من استخدام الطاقة في إنتاج اللحوم بنسبة تصل إلى 45 في المئة، والغازات الدفيئة بأكثر من 78 في المئة، واستخدام الأرض بنسبة 99 في المئة، والمياه بنسبة 96 في المئة. ومع ذلك، يرى باحثون آخرون أن الفوائد الخضراء للحوم المستنبتة مبالغ فيها، لأن إنتاجها قد يكون كثيف الطاقة.
اعداد محمد شهاب – نقلا عن العرب