يهل شهر رمضان الكريم علينا كل عام ينير الجو العام بأريج طيب من التاريخ الجميل والموروث الشعبي، والحكايات الشخصية والعامة فضلاً عن الذكريات التي ترتبط بالشهر الفضيل وترحل بالمرء بعيداً في رحاب الزمن ترتبط بطفولته أو صباه أو بلده.
فهو شهرٌ أنزل فيه القرآن ، فجديرٌ بالمؤمن أن يُكثر فيه من تلاوته، وتدبر معانيه، وأن يُكثر من العبادات الأخرى من الصلاة، والصدقة، والكثرة من ذكر الله، وعيادة المريض، وصلة الرحم، ورحمة الفقراء والإحسان إليهم، إلى غير ذلكمن وجوه الخير، شهرٌ عظيمٌ ينبغي فيه الإكثار من كلِّ خيرٍ، وشهر رمضان اعظم واجمل شهور السنة وقال تعالى : (يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة أية 183).
وقَالَ رَسُولُ الله صَلَّ الله عَلَيْهِ وَسَلَّم:( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلاّ الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان ) .
رمضان هو الشهر المبارك الذي يصوم خلاله المسلمون من بزوغ الفجر حتى غروب الشمس.
يبدأ شهر رمضان الكريم عند ظهور القمر بشكل هلال وينتهي عندما يعود إلى الشكل ذاته وتحدد لجان رؤية هلال القمر متى يبدأ شهر رمضان الكريم ومتى ينتهي، لذا لا يمكن تحديد تاريخ دقيق له مسبقاً.
ورمضان شهر عظيم ومفيد لصحة الإنسان، وفيه تنتشر الدروس اليومية التي تقام خلال رمضان بحضور كوكبة من العلماء والدعاة، ولا ننسى مدفع رمضان الذي يطلق للتذكير بميعاد الافطار، وبه تقام صلاة التراويح واصوات ترتيل القرآن الكريم بالمساجد العامرة طوال أيام رمضان والوعي بليلة القدر في السابع والعشرين من رمضان، نشعر بروحانيات رمضان وتنتشر موائد الرحمن في كل مكان في القرى والحضر.
وفي هذا الشهر العظيم يفتح الله ابواب الجنة ويغلق ابواب النار وتُصفد الشياطين ، وهذا من رحمة الله على عباده ، ان جعل الشياطين مصفدة حتى لا توسوس للمسلمين وتفسد عليهم صيامهم وعبادتهم، كذلك من رحمة الله انه يعتق كثيرا من المسلمين كانوا يستحقون النار، وهذا كرم كبير من الله ان منّ على عبادة بالمغفرة والعتق من النيران.
وفي هذا الشهر نحمل الحنين إلى الماضي، على الرغم من أن هذه الذكريات بطبيعة الحال ليست وقفاً على شهر رمضان ، كما ان الماضي الذي نحن اليه ليس كله وقفاً على ما يربطنا بالشهر الكريم .
يستقبل اهل السودان رمضان بالترحاب والفرح لتعظيم شعائر الله سبحانه وتعالى مثلاً تلاوة القرآن الكريم طوال رمضان وتنتشر مجالس الدين.
ان بعض العادات والتقاليد السودانية المرتبطة بهذا الشهر اكتسبت مع الايام شكل العادات والتقاليد السودانية في الريف وفي المدينة وما ارتبط به الأطفال والكبار عند خروجهم لأداء صلاة التراويح في مواكب بهيجة.
ويُعدّ هذا الشهر فرصة للتأمل والصلاة يقوم خلاله المسلمون بالأعمال الخيرية وبتقديم التبرعات والصدقات من الغني للفقير. ورمضان هو شهر الصوم والعبادات والطقوس الشعبية التي لن نجدها طوال أيام العام، تلك الطقوس التى نشم رائحتها ونتلمس طقوسها حتى قبل قدومه، وتظل هذه الطقوس وعاءاً حضارياً مميزاً للأمة السودانية، يحافظ على هويتها وخصوصيتها ضد كل مظاهر العولمة والتلاشي التي تحدث على مستوى العالم، لجميع الامم وثقافتها وتراثه.
ورمضان في السودان له مذاق جميل حيث تبدأ أجواء رمضان قبل قدومه بصناعة ملتزمات هذا الشهر العظيم من ترتيبات في المنازل وتجهيزات، وتستقبل نساء السودان رمضان بالتجديد وتغيير بعض الأواني المنزلية احتفالاً وابتهاجاً بقدومه .
تقدم فيه المشروبات الباردة مثل القنقليز والكركدي والبرتقال والقمردين والقريب فروت والليمون والعرديب، والآبري وهو مشروب من العيش مع إضافة بهارات يُشرب لمنع العطش، والسيدة التي إبتكرت الحلو مر (الأبري) إسمها آمنة بت عبد الرازق ود الفحل من مدينة بربر في عام ١٨٦٠م، وكان ذلك بالصدفة حيث كانت تحتفظ بجوال عيش ( فتريتة) في مخزنها، وحدث أن نزلت أمطار ووصلت لجوال العيش عبر السقف فنبت في داخل الجوال مكوناً(الزريعة) ولحاجتها له قامت بتجفيفه وطحنه وعندما إستخدمته وجدته حلو المذاق أصرت على إستخدامه بإضافة بعض التوابل، وتطور به الحال إلى أن صار كما هو اليوم بهذا الشكل والطعم الجميل والمشروب السوداني الراقي المعروف لدى الجميع (بالحلو مر أو الأبري) .
وتُعمل في رمضان العصيدة من الدقيق ويعمل معها ملاح الروب الأبيض أو ملاح التقلية، والتعدد في الأكلات الشهية والسلطات والفطائر والتحليات ذات المذاق الجميل.
والافطار الجماعي احدى عادات السودانيين المميزة حيث تفرس الفرشات في الشوارع وفي الساحات العامة وتأتي كل عائلة بطعام افطارها جاهزة في شكل صورة تكافلية مشاركة الغني مع الفقير، يصنعون فيه العصيدة من دقيق الذرة وملاح التقلية المصنوع من البامية الناشفة (الويكة) والصلصة والتوابل الجميلة وبعض الماكولات اللذيذة مثل الطعمية والبليلة والسلطات والشوربات وغيرها.
وتكثر صلاة قيام الليل، والمسلمين في هذا الشهر الفضيل يواصلون في قراءة القرآن، والتسبيح، والإستغفار وقيام الليل، وفعل الخير، فذلك يعود عليهم بالحسنات والخير والتوفيق من الله، إضافة لذلك فعلى الإنسان تهذيب نفسه في هذا الشهر الفضيل بالإبتعاد عن المحرمات والمعاصي والعادات السيئة التي تسيطر على حياته وتقلل من درجاته.
وعن المسحراتي هو الشخص الذي يقوم بتنبيه الناس بالسحور وهذا الشخص يحمل معه ادوات طبول وله طابع مميز حيث يمر في الشوارع ويطرق البيوت مترجلاً ومعه الأطفال والشباب يقرعون الطبول وهو يقول يا صائم قوم اسحر ويافاطر باكر تندم والشباب يرددون معه هذه العبارة.
وفي الجمعة الاخيرة من كل رمضان يعد السودانيين طعاماً خاصاً يعرف (بالرحمتات) يتصدقون به على الفقراء والمساكين على روح موتاهم عبارة عن شوربة لحمة وسلطة خضار بالنسبة للكبار وبالنسبة للصغار شورية وسلطة وجرة صغيرة بها كمية من التمر المبتل بالماء ونجد الأطفال يفرحون بالجرات ويسعدون بهذا اليوم .
اما عن زكاة الفطر أو زكاة الأبدان، هي أحد أنواع الزكاة الواجبة على المسلمين، وتجب بغروب الشمس من ليلة العيد، وقت الفطر وإنقضاء صوم شهر رمضان إلى قبيل أداء صلاة عيد الفطر وهى واجبة على كل مسلم وأضيفت الزكاة إلى الفطر لأنه سبب وجوبها، وتمتاز عن الزكوات الأخرى بأنها مفروضة على الأشخاص لا على الأموال، فهي متعلقة بالذمة فهي زكاة عن النفس والبدن وفرضت لتطهير نفوس الصائمين وليس لتطهير الأموال كما في زكاة المال ومقدارها صاعاً من غالب قوت أهل البلد من شعير أو تمر أو زبيب أو أرز أو ذرة أو غير ذلك.
رزق الله الجميع التوفيق والهداية، وبلغنا وإياكم صيامه وقيامه وبركته
نقلا عن سونا