وصف تطبيق الري الحديث في أراضي الدلتا بـ”الخطأ الجسيم..”بوابة الزراعة” تعيد نشر مقال الدكتور جمال صيام

أخبار, اقتصاد أخضر, خدمات, درسات وابحاث, رئيسي, مجتمع الزراعة, محاصيل, مقالات, مياه ورى ,

كان لخبير الاقتصاد الزراعى المعروف الدكتور جمال صيام الأستاذ بزراعة القاهرة – وصاحب الأطروحات والمقترحات المعتبرة للنهوض بقطاع الزراعة –  فضل السبق فى تناول مخاطر تطبيق الرى الحديث فى أراضى الدلتا ، ووصف فى مقال نشرته “بوابة الزراعة” منذ أكثر من 5 أشهر بأنه ” خطأ جسيم” ..

المقال رغم تحقيقه لكم هائل من المشاركات والقراءات على جوجل وعلى مواقع التواصل الاجتماعى المختلفة لم يجد أذانا صاغية من جانب الحكومة ممثلة فى وزارة الرى وقتها ، إلا أنه مع  اسناد حقيبة ” الرى” لوزير جديد هو الدكتور هاني سويلم القادم من خلفية علمية وأكاديمية أوربية  كان التغيير فى ملفات مختلفة بينها أسلوب التعامل مع مسألة تطبيق الرى الحديث فى أراضى شمال الدلتا .

وزير الرى الجديد الدكتور هانى سويلم يرى أن تطبيق الرى الحديث فى أراضى شمال الدلتا ” تحديدا “سيكون لها أثار سلبيية على زيادة الملوحة وتدهور الأراضى وبوارها وهو ما فنده مقال الدكتور جمال صيام وأسهب فى تقديم محاور وأدلة وبراهين تؤكد وتدعم هذا الرأى و مطالبا  بإجراء دراسات تحسم الأمر وفى أي اتجاه يجب أن يسير التطوير أو التحديث ، مشيرا إلى انه إذا لم تتوافر مثل هذه الدراسات بصورة كافية ، فعلي الأقل ينبغي أن تنعقد لقاءات نقاشية تجمع كل أصحاب المصلحة تستهدف وضع النقاط علي الحروف فيما يتعلق بهذا الموضوع الحيوي

ونبه الدكتور جمال صيام فى نهاية مقاله إلي أن المضي فى تنفيذ مشروع  تطبيق الرى الحديث فى اراضى شمال الدلتا دون دراسات كافية أو توافق بين أهل الاختصاص والمصلحة ، هو أمر ينطوي علي مخاطر هائلة علي المديين المتوسط والطويل .

بوابة الزراعة” من جانبها وتقديرا لما طرحه  وانفرد به خبير الاقتصاد الزراعى فى مقاله ” الدراسة ” تعيد نشره مرة أخرى نظرا لأهميته الكبيره ومضمونه العلمى القيم .

صورة من مقال الدكتور جمال صيام

وهى كما يلى :

الدكتور جمال صيام يكتب : الإصرار علي تطبيق الري الحديث في أراضي الدلتا خطأ جسيم

في إطار جهود الدولة المصرية لمواجهة أزمة المياه تضمنت الخطة القومية للموارد المائية والري مشروعا لتحويل الأراضي الزراعية من نظام الري بالغمر إلي نظم الري الحديث (البيقوت ، الرش ، التنقيط).وطبقا لتصريحات أخيرة للسيد وزير الموارد المائية والري خلال لقائه بكبير الاقتصاديين الزراعيين بالبنك الدولي ، فقد تم بالفعل تحويل مساحة نحو 1.3 مليون فدان ، قام بذلك المزارعون أنفسهم ، وخاصة أن الدولة وفرت تمويلا نحو 55 مليار جنيه لهذا الغرض كقروض بفائدة مدعومة (5% سنويا).وفي تصريحات سابقة للسيد الوزير، أوضح أن خلال السنوات الثلاث القادمة سوف تتناقص مساحة الري بالغمر فى مصر إلي الصفر .والمقصود أن كل الأراضى الزراعية (9.4 مليون فدان)، طبعا باستثناء المساحة المخصصة لزراعة الأرز في شمال الدلتا. الحديث إذن هو عن كل الرقعة الزراعية فى الأراضي القديمة بما فيها أراضي الدلتا وكذا نحو مليون فدان في الأراضي الجديدة تزرع بالغمر علي خلاف القانون الذي يلزم المزارعين فى الأراضي الجديدة باستخدام نظم الري الحديث.

الهدف الرئسي لتحويل الري الغمر إلي الري الحديث هو تحقيق وفر فى مياه الري يقدر بنحو 30% ، مما يعني تحقيق وفر قدره نحو 2000 متر مكعب فى المتو سط للفدان (من 7000 متر مكعب فى الغمر إلي نحو 5000 متر مكعب) فضلا عن تحقيق أهداف جانبية ومن أهمها زيادة الإنتاجية الزراعية ، وتخفيض تكاليف بعض مستلزمات الإنتاج الزراعي فضلا عن أهداف تتعلق بالبيئة النظيفة. ومع ذلك فإن تطبيق الري الحديث فى منطقة الدلتا (وسط وشرق وغرب) ينطوي علي آثار جانبية سلبية قد تفوق المزايا الناشئة عنه . وذلك ما نتناوله تقصيلا فيما يلي:

أولا:انخفاض كفاءة الري بالغمر بالمقارنة للري الحديث تعوضه ميزة غسيل التربة

يبلغ إجمالي الرقعة الزراعية بمنطقة الدلتا نحو 4.5 مليون فدان تستخدم نحو 30 مليار متر مكعب لمياه الري ، يذهب نحو نصفها (15 مليار متر مكعب) إلي المصارف الزراعية أي بكفاءة ري 50% ولكن يعاد استخدامها فى الري مما يرقع كفاءة الري إلي 75% هذه الكفاءة الجديدة للرى بالغمر تقارب كفاءة نظم الرى الحديث التي تتراوح بين 85% (نظام الري بالرش) و 90% (نظام الري بالتنقيط)، ومع ذلك يوفر الرى غسيلا مستمرا لتراكمات الأملاح والملوثات فى الترب الزراعية بنسبة 26% المتبقية من كفاءة الرى بالغمر، بعد أن أصبحت 74%، بينما لا توفر طرق الرى الحديث أى قدر من الغسيل للتربة، وتعمل على تراكم الأملاح والملوثات فى التربة،

ثانيا: تهديد مشروعات التوسع الأفقي القائمة علي مياه الصرف الزراعي المعالجة

يؤدي تحديث الرى الحقلى فى أراضى الدلتا إلى نقص الفاقد بالمياه الذى يذهب إلى المصارف الزراعية، وبالتالى تقل كميات مياه المصارف التى خُطط لمعالجتها ويعاد استخدامها فى الرى، وفى الوقت نفسه يقل إنتاج محطات المعالجة الثلاثية سواء فى مصرف بحر البقر(محطة بحر البقر) أو فى مصارف غرب الدلتا لرى أراضى مشروع الدلتا الجديدة ومحور الضبعة فى الساحل الشمالى الغربى (محطة الحمام). هذا الأمر يعنى تعريض الإنفاقات علي إنشاء محطات معالجة مياه المصارف الزراعية للخطر ، الأمر الذي ينبغى معه إعادة التقدير بدقة فيما يتعلق بتحديث طرق الرى الحقلى فى محافظات وسط وشرق وغرب الدلتا حتى لا تقل كمية المياه الواصلة إلى محطات المعالجة، وتنخفض إنتاجيتها بسبب تراجع كميات المياه الواصلة إلى المصارف بعد تحديث الرى الحقلى فى هذه المناطق، وبالتالى يتم إهدار الجدوى الفنية والاقتصادية لمحطات المعالجة ، وما يستتبع ذلك من تهديد لمشروعات التو سع الأفقي فى الدلتا الجديدة وسيناء.

ثالثا : تعريض الأراضى الزراعية فى الدلتا للتملح وانخفاض قدرتها الإنتاجية علي المدي الطويل

منطقة الدلتا فى الأغلب ذات جودة مناخية منخفضة، ويرجع ذلك إلى انخفاض هطول الأمطار السنوي وعدم انتظامه، وارتفاع معدلات التبخر، الأمر الذي يقلِّل من كمية المياة في التربة؛ مما يتسبب في إجهاد مائي سلبي ما لم يتم تزويد التربة بمياه الري الكافية، الأمر الذي يجعل الأرض في المنطقة بأكملها غير مستقرة وعرضة للتصحر، لا سيما حال تطبيق نظم الري الحديثة ، حيث يؤدى تناقص إمدادات المياه إلي تزايد نسبة الملوحة من شأنه أن يجعل تربة الدلتا غير قادرة على الزراعة، وذلك بصرف النظر عن عمليات الغسيل الدوري للتربة فى ظل الري الحديث والتي لن تكون كافية لمعالجة مشكلة الملوجة علي النحو المصحيح.

رابعا: أعباء مالية كبيرة علي صغار المزارعين بسبب تحدبث نظام الري

يتكلف تحويل نظام الري من السطحي بالغمر إلي نظام الري الحدبث حوالي 40 ألف جنيه للفدان الواحد. هذه التكلفة يتحملها المزارع كاملة. صحيح أن الدولة وفرت تمويلا طويل الأجل لعشر سنوات بفائدة مدعومة (5% سنويا) لهذا الغرض، إلا أن هذا المبلغ يشكل عبئا ماليا كبيرا يصعب علي صغار المزارعين تحمله وخاصة أنه سيتحمل أيضا تكاليف الصيانة .ذلك فضلا أنه بالنسبة للمزارع التقليدي هناك صعوبات التحول من استخدام الري بالرش الذي يلائم زراعات البرسيم والقمح فى الموسم الشتوي إلي استخدام الري بالتنقيط الذي يلائم زراعات الذرة والقطن فى الموسم الصيفي.

خامسا :هناك بدائل تحقق تقريبا نفس أهداف تحديث الري وفى نفس الوقت تتجنب أضراره

تحقق نظم الري الحديث وفرا في مياه الري في حدود 30% وزيادة فى الإنتاجية الزراعية في حدود نفس النسبة فضلا عن الوفر فى بعض مستلزمات الإنتاج الزراعي. ومع ذلك فإن الأضرار التي قد تنشأ عن تعميم نظام الري الحديث بالدلتا والتى سبق مناقشتها، قد تفوق كثيراالمزايا التي بحققها.

يضاف إلي ذلك أن هناك بدائل تحقق نفس المزايا إلي حد كبير وفي نفس الوقت تتحنب هذه الأضرار سواء علي المستوي القومي أو علي مستوي المزارع. وترتكز هذه البدائل بجانب الاحتفاظ بما يسمي الري المطور إلي عدد من الممارسات الزراعية التي يستطيع المزارعون تطبيقها مع تحمل بعض الأعباء المالية البسيطة.ومن أهم هذه الممارسات ، طبقا لخبراء المحاصيل ، التسوية بالليزر(التي يتم تطبيقها كل ثلاث سنوات) والزراعة علي مصاطب التي يمكن تطبيقها بالنسبة لكافة المحاصيل, وهناك العديد من الممارسات الزراعية الأخري التى تتم فى إطار منظومة زراعية متكاملة تحقق التوازن بين المصلحة القومية (فيما يتعلق بالمياه) ومصالح المنتجين الزراعيين علي حد سواء.

الوزارتان المسئولتان عن هذا الموضوع هما وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي ووزارة الموارد المائية والري ، والشريك الثالث هم المزارعون الذين هم من سيتحملون فى النهاية أغلب تبعات عملية التحول فى نظام الري وهم أصحاب المصلحة الرئيسيون ، كما يتقرر مصير الثروة الأرضية فى منطقة الدلتا فى ضوء ما يستقر عليه الرأي بشأن عملية التطوير.

من المفترض أن تكون هناك دراسات جدوي قد تم إجراؤها لكي تحسم الأمر فى أي اتجاه يجب أن يسير التطوير أو التحديث. أما إذا لم تتوافر مثل هذه الدراسات بصورة كافية ، فعلي الأقل ينبغي أن تنعقد لقاءات نقاشية تجمع كل أصحاب المصلحة تستهدف وضع النقاط علي الحروف فيما يتعلق بهذا الموضوع الحيوي.

ويجدر التنبيه إلي أن المضي فى تنفيذ المشروع دون دراسات كافية أو توافق بين أهل الاختصاص والمصلحة ، هو أمر ينطوي علي مخاطر هائلة علي المديين المتوسط والطويل.


د.جمال صيام
أستاذ الاقتصاد الزراعي – جامعة القاهرة