من أهم محاور خطة العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الاستراتيجية وخاصة المحاصيل الزيتية والتي يتم استيراد منتجاتها بما يفوق 90% من استهلاك الاسرة المصرية تتجه الأنظار بقوة نحو المحاصيل الزراعية القادرة على الإنتاج تحت ظروف الاجهادات الصحراوية الشديدة من ندرة الموارد المائية وارتفاع معدلات الحرارة والبخر وانخفاض جودة الأراضي والمياه المستخدمة في انماء هذه المحاصيل ويأتي على رأس تلك القائمة التي تضم هذه الأنواع محصول الزيتون فلا يوجد أي محصول نعلمه حتى الان قادر تحت الظروف المصرية على انتاج زيت نباتي متفرد في قيمته الغذائية والصحية بكمية مقبولة من أراضي هامشية وبأقل قدر ممكن من الاحتياجات المائية وأسوء نوعية مياه ري متاحة ويظل ينتج بكفاءة الا محصول الزيتون.
ولكى تتضح الصورة فنستطيع ان نقول ان فدان زيتون منزرع في منطقة الساحل الشمالي الغربي او الشرقي يعتمد في تلبية احتياجاته المائية على مياه الامطار مع بعض الريات التكميلية البسيطة (4 -5 ريات في السنه ) يستطيع ان ينتج بقليل من الممارسات الزراعية الرشيدة من 3-4 أطنان من الثمار والتي يمكن ان تنتج قرابة الطن من زيت الزيتون فائق الجودة وهو انتاج يستطيع بقوة ان يسد جزء لا يستهان به من الفجوة الغذائية في المحاصيل الزيتية المستهلكة لاسيما وان البديل المتاح لإنتاج هذا الطن من الزيت النباتي سيحتاج الى اضعاف مضاعفه من كميات المياه مرتفعة الجودة والتي لا تزيد ملوحتها عن 1000 جزء في المليون وسيحتاج أيضا أراضي خصبة قليلة المشاكل و التي لا تتوفر الا في مناطق وادى النيل والدلتا وإن توفرت هذه المساحات سوف تجد منافسة شديد من محاصيل الحبوب والاعلاف والتي يفضل المزارع المصري زراعتها لارتباطها المباشر برزقه ورزق أولاده يوميا وذلك في ظل ظروف اقتصادية تدفعه دفعا الى ذلك.
فعند معدل امطار 150- 200 مللي سنويا سوف يحتاج فدان الزيتون الى 5 ريات تكميلية بمعدل 200 لتر لكل شجرة في المرة الواحدة بمتوسط 8 م 3 للفدان ( يحتوى على 40 شجرة تحت الظروف المطرية) وتحدد مواعيد هذه الخمس ريات التكميلية اعتبار من نهاية موسم الامطار وذلك اعتبارا من شهر مايو ثم يونيو ويوليو واغسطس وسبتمبر ولو حسبنا كمية المياه اللازمة لتامين هذه الريات التكميلية لفدان واحد سنجد انها 40 م 3 من المياه وهو كم قادر على سد هذا الاحتياج طوال العام وهو بكل المقاييس ليس بالكم الكبير كما انه مع قليل من الأسمدة العضوية والممارسات الزراعية الرشيدة سوف ترتفع إنتاجية فدان الزيتون بنسبة كبيرة لن تقل بأي حال من الأحوال عن 200% من الإنتاج الذى يمكن التحصل عليه مع غياب أسلوب الري التكميلي و الممارسات الزراعية الرشيدة .
استراتيجية النهوض بالزيتون فى الساحل الشمالى
الاستراتيجية العامة للنهوض بإنتاجيه حقول الزيتون المطري في منطقة الساحل الشمالي الغربي
ترتكز الاستراتيجية العامة لتطوير انتاجيه حقول الزيتون في منطقة الساحل الشمالي الغربي على عدة محاور سنتناولها بالشرح والتوضيح وفقا للسياق التالي
المحور الأول:
تامين المياه اللازمة للريات التكميلية لهذه الحقول المطرية: –
من واقع دراستنا واحتكاكنا بالمزارعين في منطقه الساحل الشمالي بمحافظة مطروح وجوارها نعلم ان تدبير المياه التي تصلح لإمداد حقول الزيتون بالريات التكميلية اللازمة امر بالغ الصعوبة وذلك لارتفاع مناسيب ملوحة الابار الجوفية في هذه المنطقة كما ان عملية نقل المياه في هذه الصحارى مترامية الأطراف يكبد المزارع تكلفه مادية باهظة غير متاحة في الغالب الأعظم فمقطورة المياه التي تحمل 4 م3 من المياه ذات الملوحة التي لا تقل عن 3000جزء في المليون سيصل ثمنها الى 200 جنية على الأقل بما يعادل 50 جنية للمتر المكعب الواحد هذا غير تكلفة العمالة التي سوف تقوم برى هذه الأشجار بالريات المطلوبة وهربا من هذه التكلفة العالية نجد معظم المزارعين يقتصر جهدهم في ري حقولهم فقط على الامطار الساقطة لعدم قدرتهم المادية على تدبير هذه الاحتياجات التكميلية والتي يتمحور حولها تطور إنتاجية الفدان وزيادة غلته وفدان الزيتون الذى يعتمد على مياه الامطار فقط لن تتعدى انتاجيته الطن الواحد في العام بأي حال من الأحوال بينما فدان زيتون يحصل على 5 ريات تكميليه سنويا ويعامل ببعض المعاملات السمادية الموصي بها سوف تصل انتاجيته الى 3 -4 طن بينما ينتج الفدان المروى وفق لمنظومة ري بالتنقيط عند عمر يفوق ال7 سنوات مع المعاملات الزراعية المثلى كمية تتراوح ما بين 6-7 طن للفدان الواحد وبناءا على ما سبق تتضح الأهمية الكبرى للري التكميلي لتطوير إنتاجية هذه البساتين.
ومن هنا تنبثق الأهمية الكبرى لمعظمة الاستفادة من مياه الامطار والتي تجرى في وديان هذه المنطقة لينتهي المطاف لمعظمها الى البحر حيث ان تطوير منظومة حفظ وتخزين هذه الكميات المهدرة من الماء العذب سوف تنعكس إيجابيا بشدة على المزروعات حينما تستخدم هذه المياه في امدادها بالريات التكميلية المشار اليها ويعتقد ان انشاء نظام لتخزين مياه الامطار و السيول يمتد بمحاذاة الساحل الشمالي بحيث يقطع على مياه هذه الوديان سبيل الذهاب هدرا في البحر سوف يؤمن كميات كبيرة من المياه التي لن تتوفر من أي مصدر بديل في هذه المنطقة هذا جنبا الى جنب مع تقنيات التخزين الأخرى مثل الابار الرومانية والخزانات الخرسانية والسدود الرملية والحجرية والتي توقف اندفاع هذه المياه لتتشرب الأرض المنزرعة بالزيتون أكبر قدر منها وتخزن في جوفها قدرا اخر.
المحور الثاني:
اما عن المحور الثاني والذى لا يقل أهمية عن المحور الأول فيتمركز حول عمليات الحرث الجيد فمن المعروف جدا لمزارعي المناطق المطرية ان عملية الحرث الجيدة في الميعاد المدروس تعادل ريتين اثنتين فحرث الأرض بشكل متعامد قبيل سقوط الامطار يرفع من مخزونها الرطوبي بشكل كبير وحرث الأرض بعد كل سقوط للمطر الغزير يساعد على امتلاء خزانات التربة ويحفظ هذا المخزون اثناء فترات الصيف الحارة لأطول فترة ممكنة لذا نجد ان المقترح الذى يقضى بتوفر مراكز للميكنة الزراعية موزعه توزيعا جيدا على طول الساحل الشمالي الغربي سوف يؤمن الجرارات والمحاريث وتنكات المياه و مواتير الرش والتي سوف تشكل دعما كبيرا لجميع أوجه الاستزراع المطري وحقول الزيتون عبر هذه المناطق كما ان هذه المراكز بحصولها على مقابل عادل ومدروس لهذه الخدمات وفقا لنظام الوحدات ذات الطابع الخاص سيجعل منها مشاريعا ناجحة قادره على الاستمرارية وتطوير اداءها وفقا لأرباحها المكتسبة.
المحور الثالث:
من اهم العوامل التي تتوقف عليها قدرة حقول الزيتون على الحفاظ على مياه الامطار في نطاق عمل جذورها مع تيسير العناصر الغذائية اللازمة لنموها وانتاجها نجد ان المادة العضوية جيدة الصنع الخالية من المسببات المرضية وبذور الحشائش سوف تدفع بإنتاجية وحدة المساحة دفعا إيجابيا كبيرا نحو تحقيق الإنتاجية الحدية المرضية وهذا الاحتياج يجعل من انشاء مصنع كبير لإنتاج الكمبوست اعتمادا على مخلفات الثروة الحيوانية المهولة المتواجدة في المنطقة جنبا الى المخلفات النباتية والعشبية في المكان حلا سحريا يوفر 100% من تكلفة الطن المنقول عبر مسافات تزيد عن 400 كم مما يجعلها تصل بتكلفه مضاعفة عن مناطق الدلتا والوادي . وكما اشارنا سلفا ان إنتاجية وحدة المساحة والتي تم خدمتها بالمادة العضوية جيدة الصنع تتضاعف بنسب تزيد عن 200% في محصولها في الغالب الاعم.
المحور الرابع:
من اهم العوامل التي تؤثر على إنتاجية حقول الزيتون هو تحسين خصوبة الأراضي وتيسير العناصر الغذائية اللازمة لنمو وانتاجية اشجار الزيتون ويتم ذلك عن طريق الاهتمام بعمليات التسميد الحيوي بإضافة الكائنات الحية الدقيقة مثل البكتريا الميسرة للفوسفور والمثبتة للأزوت الجوي والفطريات الجذرية ( الميكوريزا ) التي تعمل على تحسين قدرة الجذور على امتصاص العناصر الغذائية والرطوبة الارضية وبالتالي معظمة الاستفادة من الأسمدة العضوية السالف ذكرها جنبا الى تدعم قدرات جذور الزيتون في عمليات استخلاص الرطوبة في مواسم الجفاف المجهدة للأشجار.
المحور الخامس :
من اهم العمليات المؤثرة على محصول الزيت الناتج من ثمار الزيتون هي منظومة استخلاص الزيت والمعاصر المنوطة بذلك وأي منطقه منتجة للزيتون تعتمد على المعاصر البدائية او المعاصر النصف اليه ذات الطاقة الضعيفة نجد ان ذلك يتسبب في هدر قدر كبير من محصول الزيت في عمليات الاستخلاص كما ان تكدس ثمار الزيتون لأيام واسابيع في انتظار” الدور” للدخول للمعصرة يؤدى الى انخفاض رتبه الزيت لارتفاع حموضته مما يجعله غير صالح للاستخدام الأدمي وغير قابل للتسويق ويؤثر بشكل كبير على سمعة عموم الزيت المنتج من هذا الإقليم وبالإشارة الى منطقه مثل محافظة مطروح تحتوى على عدد ضئيل من المعاصر الاليه وتعتمد بشكل شبه كامل على المعاصر البدائية والتي تدور بالحمير والدواب وهو طراز قديم يتعدى عمره اكثر من الفين سنه مما يجعل هذه الحرفة لا تنطلق بشكل جيد ولا يتحقق معها النهوض المأمول. وبناءا عليه نجد ان انشاء عدة معاصر حديثه ذات طاقة انتاجيه عالية تفوق 2 طن / ساعة موزعه على مراكز تجمع مناطق تمركز زراعة الزيتون سوف يدفع هذه الصناعة بشكل كبير وينعكس بقوة على كمية وجودة الزيت بشكل غير مسبوق لاسيما وان مشروع معاصر استخلاص الزيت من أكثر المشاريع ربحية وتحقيق للعوائد الاقتصادية ولا يحول دون التوسع في امتلاكها الا احتياجها لرأس مال كبير نسبيا جنبا الى بعض المستلزمات المعينة مثل المكان المناسب ومصدر المياه والكهرباء الدائم. كما ان صناعة المعاصر واستخلاص الزيوت سوف تحتاج الى عدد من الصناعات المكملة مثل صناعة البرانيك البلاستيكية المخصصة لجمع الثمار والصفائح المعالجة المخصصة لتخزين الزيت لفترات طويلة وهي كلها أنشطة تضيف قيم مادية للنشاط الاقتصادي وتدفع به الى التنمية المرجوة.
المحور السادس:
العمل على تطوير الثقافة الزراعية للمستهلك المصري ليتحول تدريجيا الى استهلاك زيت الزيتون بنسب أكبر في نظامه الغذائي
فمن المعلوم ان معدلات استهلاك الاسرة المصرية من زيت الزيتون في نظامها الغذائي يقل بكثير جدا عن معدلات استهلاك كثير من الاسر المجاورة في عالمنا العربي وهذا امر مجرد ثقافه غذائية ونوع من أنواع التعود ومن المعلوم ان بلاد الشام والأردن وليبيا ومناطق المغرب العربي تعتمد اعتماد أساسيا على زيت الزيتون في نظامها الغذائي بينما نعتمد نحن المصريين على الزيوت النباتية البديلة والتي لا تقارن من أي جانب من حيث القيمة الغذائية والصحية بزيت الزيتون والذى يصلح بالمناسبة لجميع أنواع الطبخ والقلى بل انه يتحمل تكرار عمليات القلى في ذات الزيت ل 8 مرات مقارنة بالزيوت النباتية الأخرى البديلة والتي لا تستخدم الا مره واحده وتفسد . فتطبيق بعض حملات التوعية وتوجيه وسائل الاعلام بشكل مكثف لشرح هذه الفوائد وأسلوب استخدام هذا الزيت في الطهي سوف يقوم بتعديل هذا النمط الغذائي بشكل قوى جدا على المدى الطويل. وفيما يذكر ان معدلات استهلاك زيت الزيتون في بداية القرن الحالي للأسرة المصرية كانت اقل بكثير مما هي عليه الان وكان لبرامج الطبخ في التلفزيون المصري والقنوات الفضائية دورا كبير في ارتفاع معدلات استخدام هذا الزيت المبارك والذي يعتبر غذاء ودواء في أن واحد. اما بخصوص ارتفاع سعره النسبي مقارنة بالزيوت الأخرى فنحن نلاحظ ان السوق المصرية يأتي لها زيت زيتون من بلاد المغرب العربي يباع بأسعار اقل بكثير من أسعار الزيت المحلى وذلك لان المزارع هناك يحظى بحزمه من الإجراءات الحكومية المشجعة مثل الإعفاءات الضريبية والنقل المجاني في التصدير وإجراءات دعم المزارع الصغير عن طريق توفير بعض مستلزمات الإنتاج وخلافه مما يعظم من ربحية المنتج على الرغم من تقليل ثمنه للحد الأدنى وهذا كله لكي تحافظ هذه الدول على أسواقها التصديرية التي اكتسابها مع مرور الوقت.
كما ان دعم الدولة حال تبنيها لتطبيق كافة بنود استراتيجية التطوير ستساهم بقوة في زيادة إنتاجية الزيت من حيث المساحة المزروعة من جانب مع زيادة إنتاجية وحدة المساحة من جانب اخر مما سوف يدفع الأسعار للتحسن بشكل إجباري نظرا لزيادة المعروض. ولك ان تتخيل عزيزي القارئ لو قامت وزارة التموين باستبدال نصف كمية الزيت النباتي والتي تقوم بتوزيعه على بطاقات التموين بزيت زيتون كيف سوف يكون انعكاس هذا على صحة الاسرة المصرية من جانب وعلى توفير دعما حقيقا لهذه الزراعة والصناعة الواعدة في شتى انحاء الجمهورية مع تقليل كميات الزيوت النباتية المستوردة من الخارج والتي تكبد الدولة الكثير من العملة الصعبة على الرغم من كونها زيوت ضعيفة جدا في قيمتها الصحية والغذائية مقارنة بزيت الزيتون زيت الشجرة المباركة.