أخباردرسات وابحاثرئيسيمقالات

الدكتورة عبير هاشم تكتب : البلاستك من الحضارة إلى السمية

أصبح البلاستك الأن جزءا لا يتجزأ من تطور الحضارة و وفقا للدراسات البيئية الحديثة، حيث أصبح البلاستك و خاصة النانو بلاستك؛ منتشر في كل مكان في البيئة و يشكل مصدر قلق كبير بسبب ثباته و سميته المحتملة و خاصة في الأنظمة البيولوجية.

و عندما تواجد البلاستك في الأسواق، كان من المفترض أنه أقل سمية من الزجاج. لكن في الأونة الأخيرة، أصبح من المعروف أن البلاستك يشكل مشكلة بيئية خطيرة و يرجع ذلك لأنه لا يتحلل و يبقى في البيئة لمئات السنين. كما أن الدراسات أوضحت أنه يمكن للبلاستك أن يتحلل إلى جزيئات دقيقة يبلغ قطرها أقل من ٥۰۰۰ نانومتر، ثم إلى جزيئات نانوية يبلغ قطرها < ۱۰۰ نانومتر. و قد تم أكتشاف جزيئات بلاستك نانوية في الهواء و التربة و المياه.
البوليسترين PS هو أحد أكثر أنواع البلاستك أستخداما و هو منتج من بلمرة منمرات الستايرين. يتم أستخدامه لإنتاج البوليسترين الرغوي و منتجات أخرى مثل الألعاب و الأقراص المدمجة و أغطية الأكواب و غيرها. ويتم إلقاء ما يقرب من ٨ ملايين طن من النفايات وخاصة البلاستيك في المحيطات سنويا، مما يساهم في ٧۰٪ من التلوث البحري.

أشارت الدراسات الحية و المخبرية إلى أن جسيمات البوليسترين النانوية (PS-NPS) قد تخترق الكائنات الحية من خلال عدة طرق مثل الجلد و الجهاز التنفسي و الجهاز الهضمي ويمكن ترسبها في الكائنات الحية و تتراكم على طول السلسلة الغذائية.

مع تحرك المواد البلاستيكية الدقيقة عبر السلسلة الغذائية، فقد تتراكم بيولوجيآ مما يعني أن الحيوانات المفترسة العليا، بما في ذلك البشر، تبتلع كميات كبيرة من المواد البلاستيكية الدقيقة/النانوية من جميع الأطعمة الملوثة.

أظهرت الدراسات أنه في حين أن العديد من المواد البلاستيكية الدقيقة/النانوية قد تظل داخل الجهاز الهضمي، إلا أن وجودها أثار المخاوف
أولآ:- يمكن للمواد البلاستيكية الدقيقة/النانوية أن تحفز بطانة الغشاء المخاطي للجهاز الهضمي و قد يؤدي هذا التحفيز إلى التهاب أو تفاقم حالات الجهاز الهضمي الموجودة مسبقآ.

ثانيآ:- تحتوي العديد من المواد البلاستيكية على إضافات و مواد كيميائية تستخدم أثناء عمليات تصنيعها. بمرور الوقت، قد تتسرب هذه المواد الكيميائية، مما قد يتفاعل مع الغشاء المخاطي للجهاز الهضمي، مما يؤدي إلى تعطيل العمليات الهضمية الطبيعية. و علاوة على ذلك تشير الأبحاث الأولية إلى أن المواد البلاستيكية الدقيقة/النانوية قد تغير توازن ميكروبيوتا الأمعاء مما قد يؤثر على صحة الجهاز الهضمي و الوظيفة المناعية.

أخيرآ على الرغم من أنه قد يتم إفراز العديد من المواد البلاستيكية الدقيقة/النانوية من الجسم، إلا أنه بمرور الوقت قد يتراكم بعضها في الجهاز الهضمي. في حين أن العواقب طويلة المدى لمثل هذا التراكم لاتزال قيد الدراسة و البحث. فإن التأثيرات المحتملة قد تتراوح من الإلتهاب المزمن إلى مشاكل صحية أكثر خطورة. أشارت الأبحاث المكثفة إلى أن أمتصاص البلاستك الدقيق/النانوي و الأثار الضارة له في الأنسجة و الخلايا يتأثر بكل من أحجام الجسيمات و تركيزاتها. و على وجه التحديد تميل الخلايا الى أستيعاب البلاستيك الدقيق/النانوي بسهولة أكبر عندما يكون حجمها أصغر و توجد بتركيزات أعلى.

و قد أرتبط تراكم البلاستك النانوي بضعف الميتوكوندريا في خلايا البطانية الوريدية و خلايا البلعميات، مما يؤدي إلى أضطرابات في السلسلة التنفسية و تلف الحمض النووي و موت الخلايا الناتج عن ذلك. كما أظهرت الدراسات إمكانية التعرض البشري عن طريق أستنشاق الهواء الملوث بالجسيمات النانوية البلاستيكية أو مياه الشرب الملوثة أو من خلال ملامسة الجلد.

إن الوعي بالحقائق المذكورة أعلاه من شأنه أن يؤدي بوضوح إلى إجراء دراسات بحثية متعمقة حول التعرض المزمن للبشر لجزيئات البلاستك، فضلآ عن إجراء المزيد من التجارب في المختبر و في الجسم الحي لشرح آليات تفاعل الجسيمات النانوية البلاستيكية مع مكونات الكائنات الحية. و من الممكن ان تدعم هذه المعلومات المنظمات الدولية في أتخاذ تدابير فعالة للحد من إنتاج البلاستيك، و وقف للتدهور البيئي، و حماية صحة الكائنات الحية.


باحث أول: عبير هاشم مصطفى الهندي
باحث أول بمعهد بحوث الصحة الحيونية – معمل فرعى أسيوط – مركز البحوث الزراعية – مصر
abeerhashim_elhendy@yahoo.com الإيميل:





زر الذهاب إلى الأعلى