أخباررئيسيمجتمع الزراعةمقالات

مجدى حسين يكتب : وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُم٠٠ ( رسائل الإيمان)

الأخوة الأعزاء.. ما زلت فى رحلتى مع القرآن الكريم، فى ظروف الوحدة والعزلة المطلقة فرصة نادرة وفريدة للتأمل. وأنا أعيش منذ عدة أيام مع سورة الحديد لقد شبهت مرة القرآن الكريم بماء المحيط، إذا أخذت منه قطرة من أى مكان وحللتها ستصل إلى نفس المكونات، وستصل إلى نفس النتيجة.

وكثيرا ما نسمع أن العالم الفلانى أو الشخص العلانى قد دخل الإسلام لأنه قرأ أو استمع إلى آية محددة. فكل الآيات تصل بك إلى نفس النتيجة.. إلى حقيقة الالوهية والتوحيد, ولعل هذا هو سبب تكرار القرآن الكريم للمعانى الرئيسية بأشكال مختلفة ومداخل متنوعة، فلكل إنسان مداخله واهتماماته، كذلك فإن الناس حتى وإن أسلمت فهى لن تقرأ القرآن كله بعناية وتدبر، أقصد غالبية الناس فقد يحفظوا آيات قليلة، أو يسمعوا أو يقرأوا طرفا من القرآن، فحتى وإن كان هذا شأنهم فإنهم سيصلون لحقيقة التوحيد ويتثبتون منها، وتترسخ فى قلوبهم.

كان ينام بجوارى فى سجن العريش مسلم من بوركينافاسو، يعرف بعض القرآن ويحفظه ولكنه لا يجيد اللغة العربية وقد كان صافى النفس، نقى الإيمان، وكان هو مؤذن العنبر، وكان يخلع قلبى بحلاوة أدائه للآذان، وكنت أتدارس معه القرآن وأشرحه له باللغة الانجليزية، ورغم أن لغته الأولى هى الفرنسية ولكنه يعرف الإنجليزية أيضا، وكان يكون فى ذروة السعادة والاستمتاع! وكان يقرأ القرآن بالعربية وأنا أصحح له القراءة، ومع ذلك فهو لا يفهم كل معانى الكلمات التى يقرأها، ولكن البعض الذى يفهمه يصل به إلى أعلى مراتب الإيمان. وقد كان يخاصم من لا يواظب على الصلاة!

فى سورة الحديد توقفت عند شطر من الآية الكريمة ونفذت إلى أعماق قلبى، لأنها تتوافق بشكل خاص مع حالتى: (يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ){الحديد: 4}.

فإذا آمن الناس بهذه الآية وحدها وفهموها وتدبروا معانيها، لحلوا كل مشاكلهم فى الدنيا والآخرة!! فنحن فى زحمة الحياة بأحداثها وضجيجها وصخبها وتقلباتها ومشغولياتها المتلاحقة ننسى هذا المعنى الجليل أو لا نستصحبه معنا طوال اليوم،

فأنت إذا استصحبت هذا المعنى معك دائمًا، لكنت أكثر الناس سعادة واطمئنانا فى الأرض (اذكروا الله يذكركم).. فإذا كان الله معك فمن من تخشى؟ ومن ماذا تخاف؟! ولماذا توجل؟! ومن أى الأحداث والمصاعب الدنيوية يضطرب فؤادك، ويطير جنانك؟! عندما شعر موسى بالخوف من مواجهة فرعون قال له الله عز وجل: (إِنَّنِي مَعَكُمَا) – أى موسى وهارون – (أَسْمَعُ وَأَرَى)!! فهل يوجد دفاع وحماية أكثر من ذلك، وهل يوجد درع صاروخى أكثر مناعة من قدرة الله؟ لذلك وصف القرآن النفس المسلمة السائرة على الصراط المستقيم المؤمنة حقا بالله بـ (النفس المطمئنة) ويروى التاريخ أن أحد قادة الثورات الإسلامية، نام نوما عميقا فى الليلة التى سبقت الانتفاضة الكبرى للاستيلاء على الحكم بعد أن كان قد أعد كل شىء. وفى الصباح نصره الله وانتصرت الانتفاضة. فهذا نموذج حى للنفس المطمئنة.

وكلما تعرضت فى حياتى لتحديات كبيرة أو مخاطر تذكرت هذا المعنى فشعرت بالسكينة فورا. كل إنسان فى هذه الدنيا أمامه هذا الخيار، أمامه أن يستفيد من هذا الدفاع الاستراتيجى، دون مقابل، فإذا أعرض فهو الظالم لنفسه.. وهو فى الحقيقة ليس بدون مقابل، ولكن المقابل ليس ماديا، المقابل أن تبيع نفسك لله، وتتوكل عليه، وتلقى كل أحمالك عليه بعد أن تأخذ بالأسباب، ويصدق هذا فى الحياة الشخصية كما فى حياة الجهاد. لذلك فالمؤمن الحق لا يعرف الأمراض النفسية، ولا يعرف القلق المرضى.. ولا الهواجس المرضية أو هو بالأحرى قادر على محاصرتها والتغلب عليها إذا ذكر الله: (أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ).

ولا شك أن حياة العزلة الانفرادية تجعل هذا المعنى مجسما وحيا, وحقيقة لا مراء فيها على مدار الساعة.. ولكن الأفضل أن يصل الإنسان إلى هذه الحالة وهو فى زحمة الحياة وضجيجها، فيكون بينك وبين الدنيا حاجز زجاجى فتكون فيها ولست فيها، تكون فيها وتشارك فى كل شىء، ولكن هذا الحاجز يمنع عنك الانشغال بالصغائر وسفاسف الأمور وأهواء الدنيا، حاجزا أشبه بالفلتر الذى يمنع الأشعة الضارة والأصوات المزعجة، فلا تصل إليك إلا الأشعة المفيدة للجسم والمعانى الحقيقية التى تستأهل التفاعل معها. ” وإذا مروا باللغو مروا كراما “.

(إِن يَنصُرْكُمُ اللَّهُ فَلاَ غَالِبَ لَكُمْ وَإِن يَخْذُلْكُمْ فَمَن ذَا الَّذِي يَنصُرُكُم مِّن بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ){آل عمران: 160}.

بالحسابات المادية، الباطل أقوى منا بكثير، وبالحسابات الربانية تنقلب الأمور رأسا على عقب، وإدخال إرادة الله عز وجل فى حسابات موازين القوى، يجب أن يحدث أولا فى عقول المؤمنين، قبل أن يترجم إلى أرض الواقع، نعم الله على كل شىء قدير، ولكنه أولا (يَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ)، الله قادر على كل شىء، ولكن على المؤمنين أن يأخذوا بالأسباب أولا.

نعم يكفى أن نؤمن حقا بان الله (مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ) حتى تهتز كل عروش الطغيان وحتى نستهزىء بالشيطان ونزدرى به، ونتركه مخذولا محزونا، وحتى نسير فى حياتنا الدنيا القصيرة مطمئنين واثقى الخطوة لا نخشى مصائب الدنيا.. نعم استحضر هذا المعنى معك دائما ستكون سعيدا، شاعرا بسكينة لا حدود لها، تعالج أمورك بمنتهى الثقة، وتسير فى طريقك على الأرض هونا، وتتجنب كثيرا من الذلل والخطايا.

(رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتْ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ){آل عمران: 53}.

وإلى رسالة أخرى.

من زنزانة السجن الانفرادى الاختيارى التى قبعت فيها- 2009 – 2010 سجن المرج





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى