أخباررئيسيمجتمع الزراعةمحاصيلمقالات

الدكتور على عبد الرحمن يكتب: رؤية مستقبلية لقطاع الزراعة والأمن الغذائي

أفرزت الأزمة جائحة كورونا التي شهدتها كل بلدان العالم لضرورة مراجعة الخطط والسياسات في مجال التنمية الزراعية،
وأهمية وضع برامج ومشروعات أكثر طموحاً وفاعلية لزيادة القدرة في الاعتماد على الذات لإنتاج الشق الأكبر من احتياجاتها الغذائية، وبخاصة من السلع الأساسية.
• المبررات الأساسية:
لقد اجتمعت وتضافرت العلل والمشكلات المزمنة في أوضاع الأمن الغذائي، الناجمة عن ضعف وتدنى الجهود والإهتمامات الموجهة للتنمية الزراعية، مع ما أحدثته صدمة الأزمة الغذائية العالمية في الآونة الأخيرة، يقدر لها أن تتفاقم عاماً بعد آخر، ما لم تتخذ القرارات والإجراءات الحاسمة والعاجلة لمواجهة تلك الأزمة بما يناسبها من المشروعات والبرامج الطموحة وغير المسبوقة.
وفي هذا الإطار يمكن عرض أهم مبررات هذا المشروع من، منظور مستجدات الأزمة الغذائية العالمية, وأيضا من منظور المشكلات المزمنة لأوضاع الأمن الغذائي العربي، وذلك فيما يلي :

1) الإرتفاع الحاد للأسعار العالمية للغذاء :

بعد فترة من الاستقرار النسبي للأسواق والأسعار العالمية للسلع الغذائية شهدت الأعوام الأخيرة ارتفاعاً حاداً أو غير مسبوق في تلك الأسعار. ويجمع الخبراء والهيئات الدولية على أن هذا الارتفاع لا يشكل حالة عارضة، وأنما يتوقع استمراره في الأمد الزمني المنظور،الأمر الذي يترتب عليه زيادات هائلة في أعباء الواردات الغذائية في الدول المستوردة ومن بينها مصر باعتبارها صافي مستوردة لسلع الغذائية الرئيسية التي شهدت أسعارها هذه الزيادات.

2) تزايد استخدامات الغذاء لإنتاج الوقود الحيوي :
مع أزمة الغذاء، تبلورت مخاطر التحول في استخدامات السلع الغذائية لإنتاج الوقود الحيوي، ذلك التحول الذي يهدد حاضر ومستقبل المتاح عالمياً من تلك السلع للاستخدامات الغذائية.

3) المخاطر المتزايدة لأزمة الغذاء على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية:
لا تتمثل إشكالية الأمن الغذائي في مدى القدرة على توفير وإتاحة إمدادات غذائية كافية، وإنما تمتد إلى الأوضاع الخاصة بمدى قدرة الأفراد في الحصول على الغذاء.
وفي إطار الأزمة الراهنة وتفاقماتها وتداعياتها المحتملة، ومع تزايد الأسعار العالمية للسلع الغذائية، فإن فئات واسعة من السكان الفقراء ومحدودي الدخل ستواجه مشكلات حادة في قدرتها على الحصول على احتياجاتها الضرورية من الغذاء.
فإذا ما تصاعدت واستمرت هذه المشكلات دون حلول حاسمة، فإن مقدرة تلك الفئات على التماسك والصمود ستتعرض للانهيار بما يصاحب ذلك من تهديدات خطيرة للاستقرار المجتمعي أمنياً واقتصادياً وسياسياً.

• المشكلات المزمنة في أوضاع الأمن الغذائي، العجز المتزايد عن توفير الاحتياجات الغذائية الأساسية :
إن ما تعانيه مصرمن العجز في قدرة قطاعاتها الإنتاجية الزراعية عن توفير احتياجاتها من غالبية المجموعات الغذائية، وبخاصة الأساسية منها، قد أصبح يشكل حالة مزمنة في الكيان الاقتصادي
وفي ظل الأوضاع الراهنة للتنمية الزراعية، فمن المتوقع أن يستمر منحنى العجز في تصاعده نحو مستويات أكثر سوءاً مع اطراد الاحتياجات الاستهلاكية من هذه السلع.

أ‌. تفاقم قيمة الفجوة الغذائية :

تتزايد قيمة الفجوة الغذائية عاماً بعد آخر نتيجة تزايد سكان بمعدلات عالية، ونمو الناتج الزراعي بمعدلات محدودة ومتواضعة.
فإذا ما أضيفت الآثار المترتبة على الزيادات غير المسبوقة في الأسعار العالمية للسلع الغذائية، فإن الأمر قد يصل بقيمة تلك الفجوة مستقبلاً إلى أضعاف ما كانت عليه منذ سنوات قليلة قبيل تلك الزيادات.

ب .ضعف المستوى التقني في الزراعة :

لا تزال الزراعة في غالبيتها العظمى زراعة تقليدية، متخلفة في أساليبها ونظم إدارتها، غالبية مزارعيها أميين ذوي معارف تقليدية متوارثة، وذوي قدرات مالية محدودة، وبذلك تتدنى قدراتهم الذاتية على التطوير والتحديث.
فإذا ما أضيف إلى ذلك تواضع الجهود الحكومية والاستثمارات العامة والخاصة الموجهة للتنمية الزراعية العربية بوجه عام – وذلك على العكس تماماً مما تغدق به الدول المتقدمة على الزراعة من الاستثمارات ومخصصات الدعم المباشر وغير المباشر للزراعة والمزارعين – تتضح أهم الأسباب الكامنة وراء ضعف المستوى التقني للزراعة، ومن ثم أسباب ضعف مستوى كفاءتها وقدراتها الإنتاجية. وهناك العديد من المؤشرات التي تعكس هذا الضعف في المستوى التقني سواء في استخدام البذور المحسنة أو الأسمدة أو الآلات.

ت.محدودية وضعف كفاءة استغلال الموارد الزراعية المائية والأرضية:

تعاني مصرمن ندرة – تتزايد حدتها – في الموارد الزراعية الحيوية المتمثلة في مياه الري والأراضي الزراعية – وإذا كان ذلك الحال يدفع بالضرورة دفعاً نحو الاهتمام البالغ بصيانة هذه الموارد، ورفع كفاءة وترشيد استخداماتها،
الا أن الأمر يسير على العكس من ذلك إلى حد بعيد، حيث تسود نظم تقليدية للري الحقلي تستنزف الموارد المائية، ويهدر ما يقرب من نصف ما يستخدم منها، وحيث تتدهور خصائص مساحات واسعة ومتزايدة من الأراضي الزراعية لتخرج عن نطاق الاستخدامات الزراعية لتضاف إلى الرصيد المعطل لما يعرف بالأراضي المتروكة. ويلخص البيان التالي أهم مؤشرات محدودية الموارد الزراعية المائية والأرضية وضعف كفاءة استخداماتها .

وبطبيعة الحال فإن استمرار الأوضاع الراهنة لكفاءة استخدام الموارد الزراعية المائية والأرضية، مع التزايد المستمر في السكان سيؤدي إلى أوضاع أكثر تدهوراً وسوءاً لمختلف المؤشرات السابقة.

• ضعف الاستثمار في المشروعات الزراعية والمشروعات المتكاملة والمرتبطة :

تعتبر الزراعة هي القطاع الأكثر فقراً في موارده ومخصصاته الاستثمارية، سواء في مجال البحث والتطوير، أو مشروعات التنمية أو المشروعات المتكاملة معها في مجالات المرافق والخدمات أو تصنيع المدخلات أو المنتجات ويستوى في ذلك الموارد والمخصصات الاستثمارية الحكومية أو الخاصة.
ويتراوح نصيب القطاعات الزراعية ما بين 5% إلى 8% من مجمل الاستثمارات القطاعية. وهو ما يقل في كثير عن الأهمية النسبية للقطاع الزراعي في الناتج المحلي الإجمالي. ويسفر ذلك الوضع عن ضعف بالغ في الأداء التنموي الزراعي والذي ينعكس بآثاره السلبية على أوضاع الأمن الغذائي.
ولا تتوافر الإمتيازات وعناصر الجذب المناسبة للاستثمار في المشروعات الزراعية وما يرتبط ويتكامل معها من مشروعات، وإنما تخضع في هذا الشأن لمنافسة غير عادلة أو منطقية مع المشروعات في القطاعات الأخرى كالسياحة والخدمات وغيرها.
ومن ناحية أخرى لا يخصص للانفاق العام على مجالات البحث والتطوير (R&D)، الذي يشكل أهم مرتكزات التنمية والتحديث الزراعي، سوى القدر اليسير الذي لا يتجاوز نحو 0.1% من قيمة الناتج الزراعي. هذه النسبة تصل إلى عشرات أضعاف ذلك في العديد من الدول المتقدمة، بل وبعض الدول النامية، لتبلغ ما بين 2% ، 3%.

• الإطار السلعي والجغرافي والزمني:

تتعدد المنتجات الغذائية التي يتطلب الأمر الاهتمام بها من حيث زيادة القدرات الإنتاجية وتحسين الأوضاع ومستويات الأمن الغذائي منها، غير أنه في إطار هذا المشروع الطارئ، فإن منطق ترتيب الأولويات يقتضي تركيز الاهتمام على بعض المنتجات من منظور أهميتها الإنتاجية والغذائية من ناحية، وإمكانيات تطويرها وتنميتها من ناحية أخرى.
وفي هذا الصدد، ينصب إهتمام البرنامج الطارئ المقترح على أهم السلع الغذائية ضمن مجموعات حاصلات الحبوب والمحاصيل السكرية ومحاصيل البذور الزيتية

من ثم يتركز إهتمام المشروع على المجموعات والسلع التالية :

‌أ- مجموعة حاصلات الحبوب وبخاصة كل من القمح والشعير والأرز.
‌ب- المحاصيل السكرية والتي تشمل كلا من قصب السكر وبنجر السكر.
‌ج- محاصيل البذور الزيتية، وبخاصة كلا من الفول السوداني والسمسم وزهرة الشمس.
وإلى جانب الأهمية الغذائية لهذه المجموعات باعتبارها من بين سلع الغذاء الرئيسية للطبقات العريضة من السكان، فإنها من المنظور الإنتاجي ومن منظور أوضاع الفجوة والاكتفاء الذاتي تمثل أهم المجموعات إنتاجاً واستيراداً، وذلك في الحبوب والسكر والزيوت:

• الأهداف الرئيسية:

في ضوء ما تضمنته المبررات سواء من متغيرات ومستجدات أو من مشكلات مزمنة، تتحدد الأهداف الرئيسية لهذا المشروع فيما يلي :
‌أ- زيادة قدرة الدول المشمولة بهذا المشروع في الاعتماد على الذات لتوفير احتياجاتها من السلع الغذائية الرئيسية (الحبوب، السكر، الزيوت)، ومن ثم تحقيق الاستقرار في الامدادات من هذه السلع.
‌ب- التخفيف من حدة التزايد المتواصل في قيمة فاتورة الواردات من السلع المذكورة، وتوفير جانب منها لدعم وتعزيز الاستثمار في مشروعات تحسين أوضاع الأمن الغذائي من تلك السلع.
‌ج- إتاحة فرص استثمارية ذات جدوى اقتصادية للشركات ورجال الأعمال في القطاع الخاص تعمل في الأنشطة الزراعية المباشرة والأنشطة المكملة والمرتبطة بها وذات الصلة بالمجموعات المحصولية المستهدفة.
‌د- خلق فرص عمل جديدة ومنتجة تسهم في مواجهة مشكلات الفقر والبطالة، والتي تتزايد حدتها في مواردها الطبيعية والمحددة في قدرتها على استثمارها.
هـ- الحفاظ على استقرار الأوضاع السياسية والاجتماعية في المجتمعات العربية وذلك بتحقيق الاستقرار في إمدادات الغذاء لكافة فئات السكان، وإتاحته بأسعار ملائمة.

• المرتكزات الأساسية:

يقوم المشروع المقترح على أربعة مرتكزات أساسية لتحقيق أهدافه المنشودة، تتمثل هذه المرتكزات فيما يلي :
أولاً : الارتقاء بكفاءة استخدام موارد المياه المتاحة: وذلك لإستثمار ما يمكن توفيره منها في التوسع في الزراعات المروية سواء في جزء من الأراضي المتروكة، أو في استصلاح أراضي جديدة.
ثانياً : تدعيم مؤسسات البحث ونقل وتوطين التقانات الزراعية المتطورة: وذلك لتوفير المعارف والمهارات التقنية اللازمة للإرتقاء بالإنتاجية الزراعية، وإتاحتها للمزارعين، وتحسين قدراتهم على استخدامها. ويهتم هذا المرتكز الرئيسي بالعناصر التنموية التالية :
– تحديد وتطبيق الحزم التقنية والمعاملات الزراعية المعظمة للإنتاجية.
– تحديد وتطبيق نظم الري الحقلي الأعلى كفاءة في استخدام المياه من جانب والتي ترتفع بمستوى الإنتاجية من جانب آخر.
– استنباط والتوسع في استخدام الأصناف النباتية عالية الإنتاجية، والمقاومة للجفاف والملوحة.
ثالثاً : تحسين مناخ الاستثمار الزراعي لجذب رؤوس الأموال العربية للإستثمار في المشروعات الزراعية والمشروعات المكملة والمرتبطة ذات العلاقة بتنمية المجموعات المحصولية (السلع) المستهدفة: ومن ذلك مشروعات إكثار التقاوي وإنتاج الأسمدة والكيماويات الزراعية، وتصنيع المعدات والمكائن الزراعية، ومشروعات التسويق والتصنيع للمنتجات الزراعية، وغيرها من المشروعات الخدمية.
رابعاً : تطوير مؤسسات المزارعين : وذلك باعتبارها أداة أساسية لتحديث الزراعة وتطوير الإنتاج والإنتاجية، وبخاصة لدى صغار المزارعين. فقد أثبتت التجارب العملية في عديد من الدول – وبخاصة المتقدمة – أن نجاح جهود التنمية الزراعية وبرامجها ومشروعاتها يرتبط بانتظام المزارعين ضمن أطر مؤسسية مناسبة وفعالة يمكنهم من خلالها كجماعات تحقيق العديد من المصالح التي لا يتسنى لكل منهم على حده تحقيقها.

6- الإطار الفني والمكونات الرئيسية:

في ضوء أهداف المشروع ومرتكزاته الأساسية، يتحدد الإطار والتصميم الفني للمشروع في المكونات الثلاثة التالية :
‌أ- المكون الأول : تحسين مستويات الإنتاجية في الزراعات القائمة.
‌ب- المكون الثاني : استثمار المزيد من الموارد الأرضية بالاستفادة من العوائد المائية لترشيد استخدام مياه الري.
‌ج- المكون الثالث : المشروعات الاستثمارية المتكاملة والمرتبطة بأنشطة المشروع.

• مكون تحسين مستويات الإنتاجية في الزراعات القائمة :

تنطوي الزراعات القائمة من حاصلات الحبوب والبذور الزيتية والمحاصيل السكرية على إمكانيات كبيرة لزيادة الطاقات الإنتاجية لأي منها عن طريق رفع مستويات الإنتاجية، وذلك في ضوء ما تتصف به الزراعة عامة من تخلف تقني وتدني في مستويات الإنتاجية الحالية سواء في الزراعات المروية أو المطرية.
وسوف يتم العمل ضمن هذا المكون من خلال مجموعة من المحاور منفردة أو مجتمعة خلال المراحل الثلاث للمشروع، وتتمثل هذه المحاور فيما يلي :

• المحور الأول: دعم وتطوير قدرات مؤسسات البحث والإرشاد ونقل التقانة، باعتبارها نقطة الانطلاق ومركز القيادة في مجال التطوير التقني، ويتضمن ذلك الدعم المالي والفني، وترقية المهارات للكوادر البشرية وتحسين ظروف عملها، وتعزيز آليات التنسيق والتكامل بين مختلف مؤسسات البحث والإرشاد سواء على مستوى القطر الواحد، أو فيما بين الدول وبعضها البعض.
• المحور الثاني : توفير مستلزمات الإنتاج المناسبة والمحسنة ، مشتملاً ذلك على التقاوي المحسنة عالية الإنتاجية، والأسمدة والكيماويات بالأنواع والكميات والمواصفات المناسبة. ويرتبط بذلك ما يتطلبه الأمر من تشجيع وحفز الاستثمار في المشروعات التي تساهم في توفير تلك المستلزمات.
• المحور الثالث : استخدام التقانات المتطورة لتعظيم الاستفادة من مصادر المياه المطرية، وذلك مثل أساليب حصاد المياه والري التكميلي، وبما يساهم في الارتقاء بمستويات الإنتاجية في الزراعات المطرية. ويتطلب الأمر في هذا المجال تحديداً للمناطق الأكثر ملاءمة لتطبيق تلك التقانات، وتنفيذاً لبرامج بحثية وإرشادية للنظم الأكثر ملاءمة للري التكميلي ومقنناته وتوقيتاته.


أ.د/ علي عبدالرحمن علي
مستشار وزير التجارة الأسبق





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى