أخبارمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب: على هامش الاسراء والمعراج

يحتفل المسلمون هذه الأيام بذكرى الاسراء والمعراج وفى هذه المناسبة وهى احد المعجزات التى حدثت للنبى صلى الله عليه وسلم و لقد حدثت معجزات حسية للرسول الكريم مثله مثل باقى الرسل الكرام ولكن المسلم لإيقف عندها كثيرا فى الدعوة إلى الإسلام والاقناع بخير الانام لانها معجزات حدثت وانقضت أما معجزة الرسول الخالد على مر العصور والأزمان والباقية إلى يوم القيامة هى القرءان الكريم . ومن المعجزات التى سجلها القرءان هى معجزة الاسراء والمعراج .
ويقع وجه الإعجاز “للإسراء والمعراج فى السرعة الخارقة والقدرة المذهلة التي انتقل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ” الرحلة الأرضية “، من المسجد الحرام بمكة (في الجزيرة العربية) إلى المسجد الأقصى بالقدس (في فلسطين)، ثم السرعة والقدرة اللتان لا يستطيع الإنسان – مهما أوتى من علوم وتكنولوجيا وقوة ، وذلك في ” الرحلة العلوية “، أي: الصعود واختراق السموات العلى حتى الوصول إلى فوق سدرة المنتهى .

وقد سجل القرءان الرحلة الأرضية فى قوله سبحانه: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } (سورة الإسراء ) كما أشار إلى الرحلة العلوية فى قوله تعالى { وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى ما ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى فَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى } (سورة النجم 1 – 18).

وهذه المعجزة لم يتحد الله بها البشر؛ لأن البشر لن يفكروا مطلقا في الإتيان بمثلها ولن يستطيعوا مهما بلغ علمهم وقوتهم وإنما هي معجزة للتكريم النبى الكريم وتسرية له مما ناله من أذى وصدود من قومه وخاصة بعد وفاة عمه أبو طالب وزوجته السيدة خديجة زوجته رضى الله عنها وايضا لإختبار قوة العقيدة، وتمحيص قلوب المؤمنين، فمن كان إيمانه قويما صدق، ومن كان غير ذلك كذب، أو استكثر حدوث ما حدث… هذا،ماحدث لأبى بكر الذى سمى بالصديق بعد تصديقه للنبى بدون تردد.فى وقت لم يكن هناك أى بوادر للعلم لكن صدقه بدرجة إيمانه موضحا أنه يؤمن به ويصدقه بأن خبر السماء يأتيه فى غدوة أو روحه فلماذا لايصدقه فى هذه الرحله وهذا اللغط والهجوم على رسول الله وقت إعلانه عن معجزة الاسراء تدل على أن الاسراء كان بالروح والجسد وليست رؤيا منامية كما يقول بعض الروحانيون وهناك من ينكرها جملة وتفصيلا كالماديون .

وبعد أربعة عشر قرنا من المعجزة ياتى العالم اينشتاين بنظرية النسبية حيث أدمج المكان والزمان في نظرية النسبية الخاصة عام 1905م، وأشار إلى أنه (ليس لنا أن نتحدث عن الزمان دون المكان، ولا عن المكان دون الزمان، ومادام كل شيء يتحرك فلابد أن يحمل زمنه معه، وكلما تحرك الشيء أسرع فإن زمنه سينكمش بالنسبة لما حوله من أزمنة مرتبطة بحركات أخرى أبطأ منه). .
والزمن ينكمش ويقل مع ازدياد السرعة، وتزداد السرعة مع ازدياد القدرة على ذلك.
وبالتالى فإن هذه النظرية وما قد ياتى من علوم واكتشافات يمكن إقناع الماديين أن السرعة والزمن والقدرة أشياء مترابطة، وطبقا لنظرية النسبية فانه إذا وجد كائن يسير بسرعة أكبر من سرعة الضوء، فإن المسافات تنطوي أمامه وينمحي الزمن في قطعه هذه المسافات.وهذه النظرية يمكن أن تكون ان يستدل بها على إمكانية حدوث المعجزة خاصة إذا علم أن الله هو مجري هذه المعجزة ومع ذلك فإن اللغط مستمر إلى الآن بين الناديين والروحانيون.

فالماديون (قديما وحديثا) يقيسون كل شيء بالطول والعرض والعمق، بما لديهم من مقاييس معروفة، ويزنون كل شيء بأثقال متفق عليها فيما بينهم، فإذا صادفوا غير ذلك في حياتهم، حجما أو وزنا، أنكروه ورفضوه. وهكذا أنكر الماديـون “معجزة الإسراء والمعراج” جملة وتفصيلا، لأنها لا تخضع لقوانينهم وموازينهم.

أما الروحانيون الذين أفرطوا في الجانب الروحي وترهبنوا، اختلفوا فيما بينهم حول كون المعجزة تمت بالروح فقط، أو بالجسد فقط، أو بهما معا؟
ويغيب عن هؤلاء ومن على شاكلتهم إن الاسراء والمعراج كانت بالروح فقط ما استحقت أن تكون معجزة، فالرؤيا الصادقة تحدث للصالحين من غير الأنبياء والرسل، والإنسان العادي يرى في منامه كل شيء لا يستطيع أن يبلغه في صحوه، فهو في منامه يطير ويتجول في أماكن بعيدة ومناطق فسيحة، ويحصل على آمال وينال مطالب في أحلامه فقط. ولايمكن أن يعترض عليه أحد أو يهاجمه أحد .وهذا عكس ماحدث للرسول الكريم .فى تكذيب أهل قريش له عند اخبارهم بالمعجزة ويتناقض مع ما أثبته القرءان الكريم والذى سنة سورة كاملة من القرءان باسم الاسراء وبدأها
بقوله تعالى ،:سبحان“، أي: تنزه الله في قولـه عن كل قول، وتنزه الله في فعله عن كل فعل، ولا تقال الا للأمر العجيب والمعجز“الذي أسرى“، أي: الذي أكرم رسوله بالمسير والانتقال ليلا.

“بعبده” أي: بمخلوقه الإنسان الذي اختاره لهذه المهمة العظمى، وهي مهمة هداية البشر جميعا.و قال: ” بعبده “، وهى فيه دألالة على أن الرسول صلى الله عليه وسلم حقق مقام العبودية الخالصة فكان حقا ” العبد الكامل ” أو ” الإنسان الكامل “؛ ولأن المطلب الأول للإسلام هو تحقيق العبودية لله كما يدل أيضا على أن الاسراء كان بالروح والجسد .

“ليلا” أى أن الاسراء كان غائبا وفي جزء من الليل ولم يستغـرق الليل كله، ليكون أبلغ للمؤمن في الإيمان بالغيب…
وقوله تعالى: “من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى” اى أن الرحلة كانت بين مسجدين، أولهما: المسجد الحرام بمكة في أرض الجزيرة العربية، وهو أحب بيوت الله في الأرض،،والصلاة فيه بمأئة ألف صلاة فيما عداه وثانيهما: هو المسجد الأقصى بأرض فلسطين، مهد الأنبياء والرسل، وقد كان القبلة الأولى للمسلمين ، والصلاة فيه تعدل خمسمـائة صلاة “الذي باركنا حوله” أي: الذي أفضنا عليه وعلى ما حوله بالبركات، دنيوية ومعنوية..“لنريه من آياتنا” أي: بعض الآيات الدالة على قدرة الله وعظمته، وليس كل الآيات.

كما من الامانه أن نقول إن مثل معجزة الاسراء والمعراج حدثت قبل الرسول محمد صلى الله عليه وسلم وبالتالى لو أن هؤلاء المكذبين بـ ” الإسراء والمعراج ” قرؤوا التاريخ لعلموا أن الأنبياء والرسل جرت على أيديهم المعجزات وخوارق العادات، وأوقف الله لهم القوانين الطبيعية والسنن الكونية لتايديهم والأمثلة في هذا الشأن كثيرة: منها النار التي ألقي فيها إبراهيم (عليه السلام) توقفت فيها خاصية الإحراق، وكانت بردا، بل وكانت أيضا ” سلاما “، أي: أمانا… وانفلاق البحر لموسى (عليه السلام) حتى ظهرت اليابسة، وعبر موسى وقومه فرارا من بطش فرعون مصر الجبار الآثم… وانقلاب (تحول) عصى موسى إلى ثعبان ضخم ابتلع حبال وعصى السحــرة فأخزاهم الله، وعلى التـو ثابـوا إلى رشـدهم وتحولـوا إلى الإيمــان واتباع موسى (عليه السلام). وتسخيـر الظواهر الطبيعية لسليمان (عليه السلام) وكذلك الجن والدواب والحيوانات والطيور… وإحياء الموتى على يدي عيسى (عليه السلام)، وإخراج الطير من الطين على يديه أيضا…ومن المعجزات المشابهة
انتقال عرش بلقيس من مملكة سبأ باليمن (جنوب الجزيرة العربية) إلى حيث كان يقيم رسول الله سليمان (عليه السلام) في الشام ( شرق البحر المتوسط ). عندما استقر رأيها على أن تسلم لله رب العالمين. فاتجهت إلى بلاد الشام قاصدة سليمان، وقبل أن تقترب من هذه البلاد أعد سليمان صرحا عظيما لاستقبالها، ثم أراد أن يريها شيئا من دلائل عظمة قدرة الله سبحانه، فقرر أن يأتي بعرشها (من اليمن) لتجلس هى على هذا الصرح الذي أعده لها. فتفقد سليمان قدرات من حضر مجلسه (جنا وإنسا) وإمكاناتهم في إتمام هذه المهمة، فقال له عفريت من الجن: أنا آتيك به – من اليمن إلى الشام – قبل أن تقوم من مقامك. وقال آخر – آتاه الله العلم والقدرة من لدنه -: أنا آتيك به قبل أن يرتد إليك طرفك!! وبالفعل، جاء هذا الذي آتاه الله العلم والقدرة بعرش بلقيس في زمن لم يتعد طرفة عين، ولا يعرف لأحد حتى الآن كيف تم تنفيذ هذه المعجزة الخارقة.

و عندما يذكر الرسول الكريم أن مركبه فى الاسراء كان البراق الذى قيل فى وصفه بأن البراق دابة أصغر من البغل وأكبر من الحمار. و وقيل إنه مشتق من البريق، ولونه ابيض وسار بسرعة الضوء من مكة إلى القدس في الذهاب والإياب
وكانت آلة الصعود إلى السموات العلى هى المعراج
التقريب الأمر نقول إنه الآن أصبح من المعلوم بالكشوف العلمية هو أنه يمكن أن تتحول المادة إلى طاقة، ثم عودة الطاقة إلى المادة، : فإذا قلنا بتحول جسد الرسول صلى الله عليه وسلم – وهو مادة – إلى ضوء – وهو طاقة – أو ما هو أعلى من الضوء،وخاصة أن الرسول نور فهذا النور يمكن أن يخترق آفاق الكون وما بعد الكون في ساعات قليلة بحسابنا البشري، فقد صلى العشاء مع أصحابه، ثم عاد وظهر وقت الفجر فصلى الفجر معهم!!

ويبرهن المولى فى سورة النجم على ذلك بأن بدأ المولى سورة ” النجم ” بقسم بقوله : ” والنجم إذا هوى “ والله سبحانه يقسم بسقوط النجم أو أفوله أو انفجاره أو احتراقه، وهو قسم بشيء عظيم إذا فكر فيه الناس. وجاءت الآية الثانية لتؤكد لأهل مكة وقت تنزل القرآن بين ظهرانيهم أن رسول الله (أي: المبعوث فيهم) لم يضل ولم يختل ولم يزل، لأنه رسول مختار من قبل الله سبحانه، فلابد وأن ينطق الصدق ويقول الحق ويخبر بما رأى ويحكى ما سمع ويبلغ ما أمر أن يبلغه…

وكيف يضل وهو الأميـن على القرآن –فهو الوحى الذي يوحيه الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، حيث كان يأتيه جبريل – عظيم الملائكة – به، ويقرئه إياه. وجبريل هذا هو ذو قوة شديدة، وذو حسن ونضارة، وقد “استوى“، أي: ظهر على صورته الحقيقية لرسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم في “الأفق الأعلى“، ، ولكن جبريل فارق الرسول صلى الله عليه وسلم عند موضع لا تتعداه الملائكة، وقال له: إذا تقدمتَ – أي: يا محمد – اخترقتَ، وإذا تقدمتٌ – أي: أنا – احترقتُ. وبعد عبور هذا الموضع تجلى الله تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم بالإنعامات والتجليات والفيوضات، وأوحى إليه وحــيا مباشرا، وكانت الصلاة المعروفة لنا هي ما أوحى الله به.

ولقد أقسم الله سبحانه على أن ما يحدث به رسوله بعد عودته من هذه الرحلة هو الحـق والصدق وليس بالكـذب، لأنه لم يكذب قط طوال حياته. ولقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الآيات الكبرى لعظمة الله وقدرته المطلقة.
.كل عام وحضراتكم بخير ومصر كلها فى أمن وامان وسلم وسلام





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى