أخباررئيسيمقالات

الدكتور إبراهيم درويش يكتب : السيطرة على العقول بأسلوب التأطير

فى حروب الجيل الرابع والخامس اختلفت الأسلحة واختلفت الاساليب التى تكلف العدو شيئا وتجعل اى مجتمع يراد به شرا ان يفجر نفسه من الداخل وبتصرف وفق مايراه العدو وهو يعتقد أنه يخدم بلده ووطنه وهناك عدة أساليب لتجنيد هؤلاء ومن ضمنها أسلوب التأطير وهى نظرية غوبلز (وزير الدعاية الألماني ابان حكم هتلر) في السيطرة على العقول والتي اصبحت وسيلة مهمة في تمرير السياسات فيما بعد والجميع بستخدمها بقصد أو دون قصد . ولشرح هذه النظرية أسوق
اليك المثال التالى :
ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺰﻭﺭ ﺻﺪﻳﻘﺎ ﻟﻚ ﻓﻲ ﺑﻴﺘﻪ ﻭﻳﺴﺄﻟﻚ :
هل تحب ان تشرب ﺷﺎﻱ ﺃﻭ ﻗﻬﻮﺓ ؟
ﻓﺈﻧﻪ لا يمكن ﺃﻥ ﺗﻄﻠﺐ
ﻋﺼﻴﺮﺍ وسيكون مجال اختياراتك أما شاى او قهوة لأنه هو المتاح !
ﻭﻫﺬﺍ ﺍﻟﻮﺿﻊ ﻳﺴﻤﻰ : ﺃﺳﻠﻮﺏ ﺍﻟﺘﺄﻃﻴﺮ فهو ﻗﺪ ﺟﻌﻞ ﻋﻘﻠﻚ ﻳﻨﺤﺼﺮ ﻓﻲ ﺍﺧﺘﻴﺎﺭﺍﺕ
ﻣﺤﺪﺩﺓ ﻓﺮضها ﻋﻠﻴﻚ ﻻ ﺇﺭﺍﺩﻳﺂ ﻭمنع ﻋﻘﻠﻚ من ﺍﻟﺒﺤﺚ ﻋﻦ اختيارات أخرى قد تكون متاحة ويمكن تحقيقها ….
هذا المنهج يمارسه بعضنا ﺑﺪﻭﻥ ﺇﺩﺭﺍﻙ…ﻭﺑﻌﻀﻨﺎ
ﻳﻔﻌﻠﻪ ﺑﻬﻨﺪﺳﺔ ﻭﺫﻛﺎﺀ… وخاصة ما يريدون بنا شرا يستخدمون أسلوب المقارنات السيئة والأخبار الكاذبة حتى يضعك فى الجهة التى يريدها منك وتعبر عنها كما يريدون

ﻭﺍﻟﻘﻮﺓ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﻋﻨﺪﻣﺎ يمارس ﻫﺬﺍ الأﺳﻠﻮﺏ ﺑﻘﺼﺪ. وبحرفة ويمكن أن يستخدم للصالح الخطورة فى استخدامة لفرض هيمنة او اراء معينة ولتوضيح ذلك اكثر فعندما ﺃﺟﻌﻠﻚ ﺗﺨﺘﺎﺭ ﻣﺎ ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻧﺎ ﺑﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺗﺸﻌﺮ ﺃﻧﺖ. يعتبر هذا نجاح لى وهذا ماتفعله بعض القيادات أو بعض الحكومات حتى فى تمرير الشائعات .
فمثلا عندما يقول مدير مسؤول لموظفيه يجب ان نهتم بالعمل فمارايكم تحبون ان أوقع غرامة تأخير على ميعاد حضوركم هل تحبون أن يكون آخر موعد الساعة 8 ،أو الساعة الساعة التاسعة فسوف يختارون الساعة التاسعة وهذا مايريده مسبقا ومنع بعد ذلك التأخير عن هذا الموعد وأصبحت الساعة التاسعة هى اختيارهم هم .
ونفس هذا الأسلوب تستخدمه الأم مع طفلها فتقول له : ﻣﺎ ﺭﺃﻳﻚ..ﻫﻞ ﺗﺬﻫﺐ ﻟﻠﻔﺮﺍﺵ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﺜﺎﻣﻨﺔ ﺃﻡ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ؟
ﺳﻮﻑ ﻳﺨﺘﺎﺭ ﺍﻟﻄﻔﻞ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ ﺍﻟﺘﺎﺳﻌﺔ.. ﻭﻫﻮ أيضا ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪﻩ ﺍﻷﻡ ﻣﺴﺒﻘﺎً ﺩﻭﻥ ﺃﻥ ﻳﺸﻌﺮ ﺃﻧﻪ ﻣﺠﺒﺮ ﻟﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﺑﻞ ﻳﺸﻌﺮ ﺃﻧﻪ ﻫﻮ ﻣﻦ ﻗﺎﻡ باختياره…. وقد يكون ذلك الاستخدام فى صالح العمل والطفل .. لكن الخطورة أن نفس ﺍﻷﺳﻠﻮﺏ ﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ فى المفاوضات ﻭﺍﻹﻋﻼﻡ مع الضيوف ..
فهناك حادث شهير عندما ﺗﺤﻄمت ﻃﺎﺋﺮﺓ ﺗﺠﺴﺲ ﺃﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺟﻮﺍﺀ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ﻭﺑﻌﺪ ﺗﻮﺗﺮ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ بين ﺍﻟﺒﻠﺪﻳﻦ…ﺧﺮﺝ ﺍﻟﺮﺋﻴﺲ  ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ ﻭﻗﺎﻝ: ﺇﻥ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ ﺗﺴﺘﻨﻜﺮ ﺗﺄﺧﺮ ﺍﻟﺼﻴﻦ ﻓﻲ تسليم ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺓ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ…ﺟﺎﺀ ﺍﻟﺮﺩ ﻗﺎﺳﻲ ﻣﻦ ﺍﻹﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﺔ ﺑﺄﻧﻬﻢ
ﺳﻮﻑ ﻳﻘﻮﻣﻮﻥ ﺑﺘﻔﺘﻴﺶ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺓ ﻟﻠﺒﺤﺚ ﻋﻦ ﺃﺟﻬﺰﺓ ﺗﺼﻨﺖ ﻗﺒﻞ ﺗﺴﻠﻴﻤﻬﺎ!.. ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻫﻨﺎ، ﻫﻮ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﻫﻲ ﻫﻞ ﺗﺴﻠﻢ
ﺍﻟﺼﻴﻦ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺓ ﻷﻣﺮﻳﻜﺎ ﺃﻡ ﻻ؟ ﻭﻟﻜﻦ ﺍﻟﺨﻄﺎﺏ ﺍﻷﻣﺮﻳﻜﻲ تجاوز ذلك ولم يذكرها بل ﺟﻌﻞ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﻫﻲ. ﺍﻟﺘﺄﺧﺮ!..
ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺗﺄﺧﺮﺗﻢ … ﻓﺠﺎﺀ ﺍﻟﺮﺩ ﺍﻟﺼﻴﻨﻲ ﺃﻧﻬﻢ ﻗﺒﻞ
ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ ﺳﻮﻑ ﻳﺘﻢ ﺗﻔﺘﻴﺸﻬﺎ ﻭﻫﺬﻩ ﻣﻮﺍﻓﻘﺔ ﻣﻀﻤﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺗﺴﻠﻴﻢ ﺍﻟﻄﺎﺋﺮﺓ …وهذا ما كانت امريكا تريده ﻟﻜﻦ ﻣﺘﻰ ﺃﺭﺍﺩ ﺍﻟﺼﻴﻨﻴﻮﻥ ﺫﻟﻚ…

ﻭﻓﻲ ﺣﺮﺏ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻔﺎﺻﻠﺔ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ ….ﻓﻘﺎﻣﺖ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﺑﺘﻌﺒﺌﺔ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ ﻋﻠﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ .ﺍﻟﺤﺎﺳﻤﺔ ﻫﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ… ﻓﺄﺻﺒﺤﺖ ﺟﻤﻴﻊ ﻭﺣﺪﺍﺕ ﺍﻟﻘﻮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺴﻠﺤﺔ ﺍﻟﻌﺮﺍﻗﻴﺔ ﺗﺘﺮﻗﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﻌﺮﻛﺔ… ﻭﻋﻨﺪﻣﺎ ﺳﻘﻂ ﺍﻟﻤﻄﺎﺭ..ﺷﻌﺮ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺮﺍﻕ ﻛﻠﻪ ﺳﻘﻂ ﻭﻣﺎﺗﺖ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻤﻌﻨﻮﻳﺔ!.. ﺑﺎﻟﺮﻏﻢ ﺃﻧﻪ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻟﻢ ﻳﺴﻘﻂ ﺳﻮﻯ المطار.

وكل مفاوضات السياسين او حتى الاتفاقات مع رجال الأعمال والمال قائمة على ذلك ﻭﺍﻵﻥ ﺗﻠﻌﺐ ﻭﺳﺎﺋﻞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻠﻌﺒﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﺘﻤﻌﺎﺗﻨﺎ ﺍﻟﻤﻨﻬﻜﺔ ﺑﺎﻟﺠﻬﻞ ﻭﺇﻧﻌﺪﺍﻡ ﺍﻟﻮﻋﻲ… ﻫﺬﺍ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻭﺍﺣﺪ ﻣﻦ ﻋﺪﺩ ﻛﺒﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺎﻟﻴﺐ.ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺠﻌﻠﻚ ﻻ ﺗﺮﻯ ﺇﻻ ﻣﺎ ﺃﺭﻳﺪ ﺃﻧﺎ…ﻭﻫﻮ ﺃﺳﻠﻮﺏ ﻗﻮﻱ ﻓﻲ ﻗﻴﺎﺩﺓ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ وﺍﻟﺮﺃﻱ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﻭﺿﻊ ﺧﻴﺎﺭﺍﺕ ﻭﻫﻤﻴﺔ ﺗﻘﻴﺪ ﺗﻔﻜﻴﺮ ﺍﻟﻄﺮﻑ ﺍﻵﺧﺮ!…. …

ﺍﻧﺘﺒﻪ ﻟﻜﻞ ﺳﺆﺍﻝ ﻳﻘﺎﻝ ﻟﻚ…ﺃﻭ ﺧﺒﺮ..ﺃﻭ ﻣﻌﻠﻮﻣﺔ ﺗﺼﻠﻚ، وخاصة من وسائل التواصل الاجتماعى فإنهم محترفين فى كيفية سلب ﻋﻘﻠﻚ وﻗﺮﺍﺭتك ﻭﻗﻨﺎﻋﺎﺗﻚ…ويعبئونك لما يريدون هم بدون ان تدرى فمثلا .. ﻛﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺬﻳﻌﻴﻦ ﻳﻀﻊ ﺿﻴﻔﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺰﺍﻭﻳﺔ ﻭﺍﻟﺼﻒ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺮﻳﺪﻩ .. ولذلك ﻛﻠﻤﺎ ﺯﺍﺩ ﻭﻋﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻭﻣﻌﺮﻓﺘﻪ ، ﺍﺳﺘﻄﺎﻉ ﺃﻥ ﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻃﺮ ﻭﺍﻟﻘﻴﻮﺩ والشائعات التى تحيط به ، ﻭﻫﺬﻩ ﺍﻷﻃﺮ ﻫﻲ ﻟﻌﺒﺔ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﺔ ﻭﺍﻟﺨﻄﺒﺎﺀ وﺍﻟﻜﺘﺎﺏ… ﻟﻜﻲ ﻳﻘﻮﺩﻭﻧﻚ ﺇﻟﻰ ﻣﺎﻳﺮﻳﺪﻭﻥ ﻫﻢ…ﻻ ﺇﻟﻰ ما ﺗﺮﻳﺪه ﺃﻧﺖ..
فتسلح بالمعرفة ولا تتعجل الحكم على الأمور .


الدكتور إبراهيم درويش أستاذ ورئيس قسم المحاصيل بجامعة المنوفية 





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى