أخبارمجتمع الزراعةمقالاتمياه ورى

الدكتور أحمد زكى أبو كنيز يكتب : قبل أن ينتهى يناير ..كشف حساب السد العالى فى عامه الواحد والخمسين

كلنا نعرف ان شهر يناير ترتبط به ذاكرة اهل اسوان جيدا حيث فى التاسع منه ذكرى ارساء حجر اساس السد و الذى تم فى عام 1960 وفى الخامس عشر منه تحتفل محافظة اسوان بعيدها القومى الذى يواكب يوم بدء تشغيل السد العالى و الذى تم فى مثل هذا اليوم عام 1971

هذا المشروع الذى غير وجه الحياة فى مصر فى العديد من المناحى و اليوم نقف لنطالع ماذا افاد السد ؟ و كيف أفاد ؟ وهل يستحق كل ما نقوله عنه و كل التضحيات التى قدمت من اجله؟

فيما ماضى كانت مياه فيضان النيل السنوى القادمة من الجنوب و المستمرة لمدة أربعة أشهر من يوليو وحتى أكتوبر فقد كانت تغمر مساحات شاسعة بكافة انحاء البلاد من السهول في مدن وقرى صعيد مصر و يجرف الحقول ويتسبب في الكثير من الاضرار المادية و احيانا البشرية .

وحيث اننى من اهالى احدى القرى الواقعة على نهر النيل , و كان الكبار يقصون علينا حكايات الفيضان و كانوا يطلقون عليها (بحر الدميرة) وهو تعبير معناه نهر النيل فى فترة الخريف فالى الآن يطلق لفظ البحر على النيل لدى العامة و فى صعيد مصر يسمون الخريف بالدميرة. وقد ادركت فى قريتنا بقايا جسور كانت وكان اهل قريتنا كبقية اهل الريف يقيمون الجسور على جوانب النيل و يقومون بحراستها على مدار الساعة, حيث يقسمون انفسهم الى فرق يتنابون حراستها, و المقصود بحراستها هو مراقبة مقاومتها لمياه الفيضان و منعها من هدم الجسر و الهجوم على القرية واغراقها.

وكان الفيضان الاعظم هو الذى حدث فى عام 1887 حيث قدرت ايرادات النهر بحو 150 مليار متر مكعب وقد فعل فى مصرنا آنذاك الافاعيل, فكان و لابد من انشاء عمل هندسى كبير على مجرى نهر النيل لترويض النهر الثائر و تخزين الماء الهادر للاستفادة به طوال العام فى كافة مناحى الحياة , فكان السد العالى الذى شكل تشيدده ملحة وطنية مصرية تجلت فيها ارادة شعب ضد الامبريالية العالمية المتأمرة. وارست مصر حجر اساس السد فى التاسع من يناير عام 1960م وبعد 11 سنة من العمل الدوؤب تم انجاز هذا العمل الذي صنف على انه افضل عمل نهرى في القرن العشرين و دخل السد العالى الخدمة ليغير وجه مصر و على وجه التفصيل جائت فوائد السد على النحو التالى:
قبل انشاء السد كانت هناك 32 مليار متر مكعب من مياه النيل تهدر سنوياً فى البحر الابيض المتوسط اثناء شهور الفيضان من يوليه وحتى اكتوبر او حتى في التدفقات الطبيعية للنهر, و ماحدث بعد بناء السد العالي تم احتجاز هذه الكمية فى بحيرة السد , و لكن الدراسات قالت ان معدلات البخر فى هذه المنطقة عالية, و حيث أن مسطح البحير البالغ قرابة ستة الاف كيلو متر مربع فتتبخر عشرة مليارات و يتبقى 22 مليار متر مكعب تم اقتسامها بين مصر والسودان فارتفعت حصة السودان من 4,5 مليار متر مكعب سنويا الي 18,5 مليار وارتفعت حصة مصر من 48,5 مليار متر مكعب سنويا الي 55,5 مليار.

كما نجم عن بناء السد العالى تشكل اكبر بحيرة أنشأها الانسان في العالم وهي بحيرة السد والتي تمتد بطول 500 كم متر منها 150 كم داخل الاراضي السودانية ونحو 350 كم في الأراضي المصرية بما خلق العديد من فرص العمل للصيادين في مصر والسودان للاستفادة بـالثروة السمكية و تجديدها سنوياً عن طريق اضافة ملايين من الزريعة فى الربيع سنويا لتعويض ما تم اصطياده خلال الموسم السابق في البحيرة

وقبل انشاءه كان فيضان النهر يغطي الاراضي الزراعية في مصر لمدة اربعة اشهر بداية من شهر يوليه وحتى نهاية اكتوبر ويتم بعدها زراعة المحصول الشتوى في نوفمبر على مخزون مياه الفيضان في الاراضي المصرية ولمرة واحدة في السنة. ولكن بعد تشغيل السد و توقف الفيضان عن غمر الاراضي المصرية اتاح ذلك تنظيم الرى و تمكن المزارعون من زراعة أراضيهم طوال العام لمرتين أوثلاثة مرات شتوى وصيفي ونيلي بدلا من مرة واحدة قبيل بناء وتشغيل السد العالي.

و تمكنت مصر من زراعة الارز كل عام حيث ذلك لم يكن ممكناً فيما قبل بناء السد, نظراً لقدوم الفيضان
اثناء موسم زراعة الارز فى سنوات قليلة تمكنت مصر من تحقيق الاكتفاء الذاتي من الارز وفائض للتصدير, فقد وصلت المساحات المنزرعة بالارز فى احد المواسم الي مليونى فدان.

كما اصبح لدينا امكانية تشغيل الملاحة النهرية طوال العام وبما سمح بادخال الفنادق النهرية والرحلات السياحية فى طول مجرى النهر مما نشط السياحة الداخلية و جذب ملايين من السائحين الاجانب و بهذا ساهمت السياحة النهرية بدخل كبير لمصر , كما تم تنشيط والتوسع فى النقل النهرى الذى ظل مستحوذا كل قسم كبير من النقل الداخلى لفترات طويلة و هو مستمر حتى اليوم.

و من اهم فوائد السد انه حفظ المياه من الذهاب الى البحر الابيض المتوسط و تخزينها فى بحيرة السد و تنظيم اطلاقها طبقا لاحتياجات الزراعة والملاحة و الكهرباء …الخ و بالتالى تخزين مايزيد عن ذلك من سنوات الفيضان العالى و الفوق متوسط الى سنوات الفيضان المنخفض ولذا بكل تأكيد اقول ان السد حمى مصر من دورات جفاف طوية في ثمانينات القرن الماضي ، ومن اشهر فترات الجفاف التى اتذكر تفاصيلها جيدا في الفترة من 1980/1981 وحتى 1986/1987والتي شهدت جفافا حادا للنهر كاد ان يوقف عمل توربينات السد العالي ويرفع حالة الطوارئ في مصر لترشيد استخدامات المياه لولا قدوم فيضان غزير عام 1987/1988 لينهي سبع سنوات من الجفاف الشديد حمى فيها السد مصر. و كانت أخر دورة جفاف فى السنوات من 2010/2011 وحتى 2016 /2017 ايضاً حمى فيها السد العالي الشعب المصري من ويلات الجفاف, أو على الاحرى لم يشعر بها الشعب المصرى أصلاً.

من فوائد السد العالي توليد طاقة كهربية مائية تجاوزت 1800 ميجاوات ساهمت فى توصيل الكهرباء الى القرى و المدن المصرية كما تمنكا من تشييد مصانع كيما و مجمع الامونيوم نجع حمادى و السبائك الحديدية بادفو وعدد من المصانع الاخرى.
توصيل مياه الشرب النظيفة الى كافة المنازل و المرافق فى مصر وذلك بعد التوسع في انشاء محطات مياه الشرب النقية.

د أحمد زكى ابو كنيز – مركز البحوث الزراعية – مصر


 





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى