أخباررئيسيمقالاتمياه ورى

الدكتور إسماعيل صبرى يكتب : قراءة فى مستقبل مفاوضات سد النهضة بعد لجوء مصر لمجلس الأمن

تحول مصر إلى مجلس الأمن الدولي لحمله على اتخاذ اجراء محدد يرغم إثيوبيا على تغيير موقفها الممتنع عن التوقيع علي اتفاق واشنطون الثلاثي حول قواعد ملء وتشغيل سد النهضة الذي تم التوصل اليه في يناير الماضي في العاصمة الامريكية بعد شهور من المفاوضات الشاقة والمستمرة تحت رعاية وزارة الخزانة الأمريكية والبنك الدولي ، وهو الموقف الذي جاء مخيبا لكل الأمال والتوقعات بقرب انفراج أزمة هذا السد الذي تم تشييده بقرار اثيوبي منفرد ودون تشاور مسبق مع دولتي المصب. هذا السد الذي يهدد تشغيله وفق النظام الاثيوبي الموضوع له من جانب واحد ودون مراعاة لحقوق دولتي المصب بتجفيف شرايين مصر المائية الحيوية للمرة الأولى في تاريخها، وهو الأمر الذي لا يمكن أن يكون مقبولا أو محتملا أيا ما كانت المخاطر أو التكاليف المدفوعة في تقليص اخطاره وتبعاته الحالية والمستقبلية فهي كلها تهون امام تحديات الحياة والبقاء او الموت عطشا في غياب الموارد المائية البديلة والكافية لشعب يتزايد بهذه المعدلات القياسية.

وهذا التحول من جانب مصر إلى مجلس الأمن يؤشر بأن أمريكا قد خرجت من خط الوساطة بين أطراف هذا النزاع،،. وان وساطتها قد استنفذت أغراضها وتوقفت بعد أن قبلت ضمنا بهذا الموقف الاثيوبي المكابر والمعاند ولم تمارس ما كان متوقعا منها كوسيط ليس كأي وسيط. ، وسيط له دوره ووضعه ومكانته وسمعته ومهابته وإمكاناته وقدراته وثقله الدبلوماسي الهائل الذي كان يمكنه من خلاله وبكل تاكيد ممارسة ضغوط فعالة ومؤثرة على إثيوبيا لانجاح هذه المفاوضات وتمكينها من بلوغ غايتها النهائية المنشودة والتي من اجلها انعقدت واستغرقت كل هذا الوقت والجهد . وليتسنى بعدها إغلاق ملف هذا النزاع الشائك الذي لن يكون استمراره وتصعيده في صالح اي طرف من اطرافه..

انقضى علي تهرب إثيوبيا من التوقيع على اتفاق واشنطون ما يربو علي ثلاثة شهور الان والموقف الأمريكي ما يزال علي حاله من التسليم بالامر الواقع والعودة بالمشكلة الي المربع الأول وكان كل هذه الجهود التفاوضية المضنية قد ذهبت هباء. ولا شك في أن سلبية الموقف الأمريكي وانسحاب أمريكا كما تؤشر بذلك كافة الشواهد من دائرة البحث عن حل سلمي توافقي لهذا النزاع الإقليمي المشحون بكل عوامل التهديد والخطر هو أمر يؤسف له وصادم بشدة لكل التوقعات المتفائلة التي صاحبت مفاوضات واشنطون منذ أن استضافتها الولايات المتحدة وقبلت برعايتها لها وكان بإمكانها الاعتذار عنها حتى تعفي نفسها من مسئوليتها عن فشلها. وهناك الكثير من الاسباب التي قد تقدم تفسيرا واقعيا لسلبية هذا الموقف الأمريكي وتوقفه عن بذل المزيد من الجهود والضغوط لتحريك الأمور وإخراجه من جمودها الحالي ، والي الحد الذي جعل مصر تتحول عنه وتتجه الي مجلس الأمن الدولي الذي قد يكون محطتها الأخيرة في هذا المسار الدبلوماسي السلمي الشاق وبعد أن مدت حبال الصبر على آخرها وحاولت التوصل الي تسوية سلمية متوافق عليها للنزاع حول أزمة سد النهضة يجنب الجميع مخاطر الاندفاع في مسار الصدام والحرب التي لا يدري احد الي اين يمكن أن تأخذ كل الأطراف المتنازعة وراءها. وقد كان واضحا منذ البداية وحتى النهاية انفتاح مصر بمرونة كبيرة وبفهم تجاوز كل الحدود المتوقعة لمصالح الطرف الاثيوبي في هذا النزاع وتأكيدها باستمرار على تقيدها بمبدأ التسوية العادلة والمتوازنة التي تحفظ لكل طرف حقوقه ولا تجور على مصالحه المشروعة.. لقد تصرفت مصر بما يعفيها من أي لوم دولي كان يمكن أن يوجه إليها بالتسرع والاندفاع او بالتهور دون إعطاء جهود التسوية السلمية المهلة الكافية..لقد تجاوزت هذا كله ولم تقصر فيه تعبيرا عن سلمية مواقفها وخياراتها التي تتحرك بها في هذا النزاع.وبدرجة تحسد عليها من الهدوء وضبط النفس.. ولا اعتقد إن هناك من سوف يختلف على ذلك..

أشك كثيرا في أن مجلس الأمن الدولي سوف ياخذ إجراء يجبر إثيوبيا على الالتزام ببنود اتفاق واشنطون ولتتحمل مسئوليتها في هذا الموقف الذي ينذر بالخطر.. وفي رأيي إن السبب وراء الفشل المتوقع لمجلس الامن في حمل اثيوبيا علي الاعتراف بحقوق بقية الأطراف في هذا النزاع سواء بتهديدها بسلاح العقوبات او بغيره من أدوات الضغط، هو انه لن يكون مقتنعا بان المستوى الحالي للنزاع حول مشكلة سد النهضة الاثيوبي يشكل تهديدا جديا للسلم والامن الدوليين وعلي أي نحو يمكن أن يثير القلق الدولي بشأنه . والارجح هو إنه سوف يوصي كل الاطراف في هذا النزاع باستئناف جهودها التفاوضية بحثا عن حل وان عليها ان تتذرع بالصبر وطول النفس حتي لا تدفع بالنزاع في مسارات غير مرغوب فيها. . وهي توصيات لن تكون لها جدوى او قيمة على الإطلاق واثيوبيا توشك علي الشروع في ملء سدها فق ما تقرره لنفسها دون التقيد باي اتفاق. وهو ما سوف يعني بالنسبة لمصر الكثير مما لا يمكنها وقتها الصبر طويلا عليه..

وبالوصول الي هذه النتيجة الخاذلة التي لن يعد يجدي معها إهدار المزيد من جهود الحل الدبلوماسي وإضاعة الوقت فيه. ،. فإنه يصبح من حق مصر ان تتحول عن الخيار الدبلوماسي السلمي إلى الخيارات الأخرى التي يمكنها بها ان تحمي امنها القومي والمائي المهدد وتحافظ علي حق شعبها في الحياة بعيدا عن عدوان اي دولة على هذا الحق الذي لا يقبل المساومة عليه أو التفريط فيه ولا يهم في ذلك أن تكون هذه الدولة المعتدية هي إثيوبيا أو غير إثيوبيا.. واخيرا لا يبقي لنا سوي القول كان الله في عون القيادة المصرية على القادم من التطورات والأحداث وهي التي تحارب على العديد من الجبهات الخطيرة في أن واحد . فالحسابات معقدة والقرارات صعبة والتداعيات رهيبة لكن عندما تكون امة كبيرة كمصر في قلب الخطر أو في عين العاصفة كما يقولون فلابد وان تكون على قدر المسئولية وفي مستوى التحدي .


استاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بكلية التجارة جامعة اسيوط والعميد الاسبق للكلية .





مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى